الانفتاح الأميركي على دمشق: مناورة أم بداية شراكة؟
مقالات
الانفتاح الأميركي على دمشق: مناورة أم بداية شراكة؟
وائل المولى
1 آب 2025 , 22:45 م


في سلسلة تصريحات ملفتة، رسم المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك ملامح المرحلة المقبلة للعلاقة بين واشنطن ودمشق، كاشفاً عن نوافذ مفتوحة وأبواب موصدة في آنٍ معاً، تجاه النظام السوري الجديد . 

تصريحات باراك لم تكن مجرد مواقف سياسية عابرة، بل بدت وكأنها بيان شروط أميركي مبدئي، يحدد بدقة معالم ما تريده الولايات المتحدة من دمشق الجديدة.

 اختبار نوايا ... لا شرعية مطلقة

عبارة باراك: "الخارجية الأميركية لن ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب حتى ترى ما سيحصل لاحقاً من قبل النظام السوري الجديد" تكشف بوضوح أن واشنطن لا تمنح الشرعية الكاملة بعد، لكنها تترك المجال مفتوحا للتفاوض. إنها مرحلة "اختبار النوايا"، حيث تُراقب الخطوات أكثر مما تُكافأ، وتُحاسب العثرات أكثر مما يُحتفى بالإنجازات.

 ورقة التحقيق القضائي: ضغط ناعم أم فخ قابل للتفعيل؟

استدعاء قضية مقتل المواطن الأميركي حسام سرايا خلال "الاحداث المؤسفة في جنوب البلاد"، وتأكيد تعاون الحكومة السورية مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، لا يخلو من توظيف سياسي، فالتحقيق المبني على مقاطع من وسائل التواصل، يبدو حتى اللحظة فارغاً من أدلة قاطعة، لكنه جاهز للتحول إلى ورقة ابتزاز سياسي متى شاءت واشنطن.

اسرائيل: كلمة السر في كل شيء

كرّر باراك عبارة مفصلية: "النظام السوري الجديد لا يرى إسرائيل عدواً، لكنها ترى في الجنوب السوري منطقة يجب نزع السلاح منها".

هذه الإشارة ليست عابرة. فواشنطن، كما يبدو، تضع أمن إسرائيل كأولوية مطلقة في أي ترتيب أمني جديد في سوريا. وبالتالي، فإن الحفاظ على تهدئة الجبهة الجنوبية وتحجيم أي وجود مقاوم فيها، سيكون شرطاً جوهرياً لأي تطبيع سياسي أو اقتصادي.

 إيران تحت المجهر: الخط الأحمر المشترك

تصريح باراك بأن "إيران تشكل تحدياً مشتركاً لنا وللنظام السوري الجديد" يشي بوضوح بوجود تفاهم ضمني أو محتمل حول ضرورة تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا.

لا تطلب واشنطن مجرد قطعاً فورياً للعلاقة، إن وجدت لكنها تريد تحويلها لحالة عداء تدريجياً، أما المكافأة؟ فقد تكون رفع العقوبات، استثمارات، أو حتى اعتراف سياسي أو دور إقليمي جديد .

أو فخاَ يوقع المنطقة كلها بصراع طائفي ومذهبي يفتت المنطقة بأكملها. 

مشروع دولة بلا استبداد أو طائفية؟

في سياق دعوته إلى "إشراك جميع الأطراف والأطياف ضمن مشروع الدولة السورية"، تبدو واشنطن معنية هذه المرة بـ توازن داخلي حقيقي، يمنع إعادة إنتاج أي شكل من أشكال النظام الأمني المغلق أو الطائفي، الرسالة واضحة:

النظام السوري الجديد لن يُمنح الاستقرار دون انفتاح سياسي حقيقي.

إلى أين تمضي واشنطن في علاقتها مع دمشق الجديدة؟

1. تطبيع مشروط:

لن يكون التطبيع مجانياً، كل خطوة يجب أن تُقابل بتنازل. قد تبدأ بالاقتصاد أو المساعدات الإنسانية، وقد تصل إلى التنسيق الأمني الكامل لاحقاً.

2. سوريا "الوظيفية":

ربما لا تطمح واشنطن إلى تحويل سوريا إلى حليف مباشر، لكنها تريدها دولة وظيفية تخدم الاستقرار الإقليمي وتبتعد عن المحور الإيراني وتتحول لحالة عدائية معه .

3. هندسة جديدة للمنطقة:

التفاهم مع دمشق الجديدة قد يندرج ضمن مشروع أوسع لـ إعادة رسم خريطة المحاور: محور تركي-قطري-سوري "معتدل" مقابل محور مقاومة محاصر.

 ختاماً: واشنطن لا تزرع بلا حصاد

تتعامل واشنطن مع النظام السوري الجديد كـ "فرصة تجريبية"، لا كحليف مضمون، هي تُمهِّد لشرعنة النظام الجديد، لكنها تُبقي أوراق الضغط جاهزة، من ملف الإرهاب إلى المحكمة الدولية إلى العقوبات والإنتهاكات بحق الأقليات .

وبينما تُغدق التصريحات الإيجابية، تترصد الخطأ... وتنتظر الثمن.

في المشهد السوري المعقد، تبقى واشنطن وفية لمبدأها الأبدي:

لا صداقة مجانية، ولا عدو دائم ... فقط مصالح تتغيّر .