عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
ما حصل مساء 7 آب 2025 في السراي الحكومي، لا يمكن فصله عن مسارٍ بدأ منذ 27 تشرين الثاني 2024، حين أثبتت الدولة اللبنانية، بمؤسساتها كافة، عجزها الفعلي عن حماية لبنان وشعبه، واكتفت بالتماهي مع اشتراطات وإملاءات الخارج، في كل مفصل مصيري.
فالجلسة الحكومية الأخيرة، التي عُقدت لمناقشة الورقة الأميركية، بحضور رئيس الحكومة نواف سلام، أظهرت بما لا يدع مجالًا للشك أن السلطة التنفيذية لم تعد تعبأ لا بالدستور اللبناني ولا بميثاق العيش المشترك، بل تنساق خلف إملاءات واضحة صاغها مبعوث أميركي (باراك) وبالتنسيق الكامل مع إسرائيل، وتنتظر ردود دول "أجنبية أخرى"( أمريكا سوريا وإسرائيل) على بنود هذه الورقة!
فهذا السلوك يُشكل سابقة خطيرة تمسّ السيادة الوطنية وتضع الحكومة أمام شبهة الارتهان لصالح دولة أجنبية، وهو ما يرقى إلى درجة الخيانة العظمى، حين يتم القبول ببنود ورقة دولة خارجية تتضمّن طرحًا صريحًا لنزع سلاح المقاومة، في وقت تعترف فيه الدولة – صراحة – بأنها عاجزة عن حماية أراضيها! تكون الحكومة قد إرتكبت المخالفات القانونية التالية:-
1- انتهاك للدستور وأحكام اتفاق الطائف
ينص اتفاق الطائف، في البند "ثالثًا" من فقرة بسط سلطة الدولة، على أن هذه البسط يجب أن يتم بـ"قواها الذاتية"، وهو تعبير قانوني صريح يرفض أي استقدام لقوات أجنبية أو التذرّع بإملاءات خارجية. كذلك، يوضح الدستور اللبناني، أن رئيس الحكومة لا يملك صلاحية اتخاذ قرارات سيادية، تمس الكيان اللبناني، دون توافق وطني ومجلس وزراء مجتمعًا، وفق الأصول. فما جرى هو تعدٍ صارخ على هذه المبادئ.
2- جلسة غير دستورية
رئيس الحكومة دعا إلى جلسة لمناقشة "ورقة أجنبية" دون أي أساس دستوري، في ظل غياب رئيس الجمهورية، وهو ما يجعل الجلسة مشوبة بالبطلان من حيث الشكل والمضمون، خاصة أن القضايا المطروحة تمس السلم الأهلي والمقاومة والدفاع الوطني، وهي من صلاحيات مجلس الدفاع الأعلى والمجلس النيابي لا الحكومة فقط. ولا يتم إقرارها بالتصويت.
3- السلطة التنفيذية ليست أداةً استعمارية
إن طلب التفاوض على أساس الورقة الأميركية وتنفيذ القرار 1701 ببنود وشروط جديدة وفق ما تريده واشنطن وتل أبيب، يعني القبول الكامل بفتح يد العدو لاستهداف لبنان، مقابل رفع الحصانة عن المقاومة. وهذا مخالف للدستور الذي ينص على حماية وحدة الأراضي اللبنانية، ورفض الخضوع لأي وصاية خارجية. فأميركا ليست سلطة انتداب دستوري على لبنان.
وبالتالي لا بد من دعوة لمساءلة دستورية فورية.
فما أقدم عليه الرئيس نواف سلام يفتح باب المساءلة الدستورية، فصلاحياته لا تُجيز له الموافقة على بنود ورقة أميركية أو حتى عرضها للنقاش بغياب توافق سياسي وطني. وإذا لم يتحرّك رئيس الجمهورية، وهو الحامي للدستور، لوقف هذا الانحدار، فإن مسؤوليته تصبح أخطر مما يُتصوّر، إذ يكون قد فشل في دوره الحاسم لحماية السلم الأهلي والدولة.
فما جرى هو استغباء واستحمار للشعب اللبناني، وتحوير متعمّد لآلية اتخاذ القرار الوطني، لصالح أجندة أميركية – إسرائيلية واضحة المعالم. فمن لا يستطيع حماية وطنه، لا يجوز أن يتّخذ قرارًا بنزع أدوات الدفاع عنه. والساكت عن هذه الخيانة، شريك كامل بها.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
08 آب/ أغسطس 2025