عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
في تصريحات صادمة تكشف جوهر مشروعه التوسعي، قال بنيامين نتنياهو لقناة i24 إنه في "مهمة تاريخية وروحية" تتماشى مع رؤية "إسرائيل الكبرى" التي تشمل أراضٍ خارج حدود إسرائيل الحالية، بما في ذلك المناطق المخصصة لإقامة دولة فلسطينية وأجزاء من الأردن ومصر. واعتبر نفسه جزءًا من "مهمة أجيال" للشعب اليهودي، في إحالة مباشرة إلى البعد العقائدي لمشروعه السياسي.
بعد ساعات، صرّح لقناة نيوز ماكس الأمريكية بأن إسرائيل تستطيع قصف غزة كما قصف الحلفاء مدينة درسدن الألمانية في فبراير 1945، وهي إحدى أكثر عمليات القصف الجوي إثارة للجدل في التاريخ العسكري، حيث شاركت 1,200 طائرة بإسقاط نحو 3,900 طن من القنابل خلال يومين، وأدت إلى مقتل ما بين 22,000 و25,000 مدني معظمهم حُرقوا أحياء، وتدمير مدينة تاريخية بالكامل. هذا التشبيه ليس مجرد استعارة عسكرية، بل إعلان نية حقيقية بإبادة شاملة تستهدف المدنيين والبنية العمرانية بنفس آلية درسدن.
والأخطر أن نتنياهو يربط حربه في غزة والضفة بخطاب توراتي صريح، إذ سبق أن استعار مرارًا نصوصًا من سفر صموئيل الأول 15:3، حيث يأمر الرب شاول الملك: "فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ، وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ، بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا."
بهذا النص، يشرعن نتنياهو حرب الإبادة باعتبار الفلسطينيين امتدادًا رمزيًا لـ"عماليق"، فيعيد إنتاج خطاب إبادي قديم تحت غطاء "مهمة روحية"، ويضع خطته ضمن سياق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي عرض خرائطه بلا قطاع غزة ولا الضفة ولا القدس، ثم غرّد بعد ذلك قائلًا: "إن أعظم إنجاز في حياتي أن أحارب من أجلكم وأجل بلدي".
وتكشف الحقائق الميدانية أن هذا المشروع الإبادي مدعوم بالكامل من الإدارة الأمريكية، إذ حتى تاريخ 27 أيار/مايو 2025، زودت واشنطن إسرائيل بما مجموعه حمولة 800 طائرة و140 سفينة سلاح، وهي ترسانة تكفي لمحو غزة وفتح جبهات متزامنة في عدة مدن عربية لتحقيق خطوات متسارعة نحو إقامة "إسرائيل الكبرى".
والأخطر أن الرئيس ترامب، صرّح بدوره أنه "في مهمة من الله"، مما يؤكد التنسيق العقائدي والعسكري بين واشنطن وتل أبيب لمسح غزة والضفة نهائيًا.
إن تشبيه غزة بدرسن، والاحتماء وراء النصوص التوراتية، والدعم الأمريكي الهائل، كلها مؤشرات على أن ما يجري ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل حرب إبادة عقائدية بأدوات العصر الحديث، تستهدف إزالة شعب وأرض من الوجود.
أمام هذا المخطط الخطير والمهمة الروحية التي يبشرنا بها نتنياهو، فإن على رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام أن يدركا أن الوحشين الأمريكي والصهيوني لن يتوقفا عند حدود فلسطين، بل سيبتلعان أجزاء كبيرة من لبنان في إطار الرؤيا التوراتية لـ"إسرائيل الكبرى". إن الصمت أو التواطؤ وتنفيذ الشروط الصهيونية تحت ضغط أمريكي في هذه اللحظة التاريخية لن يُخرِج لبنان من عين الإعصار، ويمهد الطريق لابتلاع سيادته وطمس هويته الوطنية.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
14 آب/أغسطس 2025