كتب العميد عمر معربوني:
مقالات
كتب العميد عمر معربوني: "هل انتهى لبنان الذي نعرفه ؟
عمر معربوني
23 آب 2025 , 15:48 م


كتب الباحث في الدراسات العسكرية الإستراتيجية, عمر معربوني, هذا المقال في ٢٤ اب ٢٠٢٠ منذ ٤ سنوات، وهو يشرح ما يُعانيه لبنان اليوم، وللأهمية نقوم بإعادةِ نشره الآن:

عمر معربوني–باحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، خريج الأكاديميةالعسكريةالسوفياتية".

هل انتهى لبنان الذي عشنا فيه لمائة عام ؟

هو سؤالٌ ليس مُزْحَةً نمزحُها وضرورةٌ تَجِبُ الإجابةُ عليها.

فمنذ مائة عام وهذا اللُّبنانُ تتنازعُهُ الأهواءُ، وعملياتُ السَّلْخِ المُستدام، فلا هو ترسّخَ كوطنٍ قوميٍّ لِلمَسِيحيينَ، ولا عاشَ الاستقرارَ المنشودَالذي دعا إليهِ

شارل مالك وميشال شيحا.

في المقدمة، سأُورِدُ بالحرفِ ما صرّح بِهِ عَلناً البطريركُ الراعي، خلال َأحدِ لقاءاتِهِ في فلسطينَ المُحتلَّةِ أواخرَ شهرِ نيسان2014، وهو يتكلم بصيغةِ السؤال والِاستهجانِ، عن العملاءِ الذينَ هربوا معَ إسرائيلَ،أثناء التًحرير في 25أيار2000، وهو كلام يُلَخِّصُ حقيقةَ التزامِ البطريركِ بمسارٍ طويلٍ يمتدُّ الى أكثرِ مِنْ مِائةِ عامٍ من العلاقةِ بين البطريركيةِ معَ الوكالةِ اليهودية.

وممّاقاله الراعي حينها مُستنكراً: "الجماعةُ اللي اضطروا يتركوا لبنان سنة 2000 هودي جماعة حاربوا ضد لبنان ؟؟

هاوجماعةحاربواالدولةاللبنانية؟؟

هودي جماعة حاربواالمؤسسات اللبنانية؟؟

هاو نحنا منسميهم متعاملين وخونة؟؟

انا هيدا كلام برفضو رفض تام قدّام الملأ كلّو .. هم هنا ( في فلسطين المحتلة ) يحبون لبنان اكثر من أي مقيم هناك ( في لبنان ) وآسف ان تُلصق بهم تهمة وان يُلصق بهم نعت ، ولكن الأبرياء ( العملاء ) دائماً يدفعون ثمن غلطات وشرور الكبار .. انتهى كلام البطريرك الراعي.

إذن لا شيءَ جديداً في مواقف البطريرك الماروني. فما يصرّح به هو امتداد لتاريخ طويل من الإلتزام والسلوكيات التي تنسجم مع ما التزمت به البطريركية منذ عشرينيات القرن ال 20 ، حيث يعرف المهتمون من الباحثين المسار الذي سلكته العلاقة بين البطريركية المارونية والوكالة اليهودية من خلال مئات اللقاءات التي تُوِّجَت باتفاقيةٍ وقّعَ عليها الشيخ توفيق عواد عن البطريركيةِ المارونية، وبرنارد جوزف الذي اتخذ اسماً آخر،فيما بعد،وهودوف يوسف عن الوكالة اليهودية، وهي اتفاقية صاغها إلياهو ساسون ويعقوب شمعوني، تمّ التوقيع عليها في القدس بتاريخ 30 أيار / مايو 1946سُمِّيَت بالعَقد، وجاءت تتويجاً لمسارٍ طويلٍ مِنَ اللِّقاءات شملت الى جانبِ ممثلي البطريركيةِ شخصياتٍ لبنانيةً من كُلِّ الطوائفِ،تقاسمت فيما بعدُ السُّلطةَ ولا تزال .

هذه المقدمة وان ركّزت على البطريركي، لكنها لا تُعفي أبداً شخصياتٍ طوائفيةً أخرى قرأنا الكثيرَ عنها، في مصادرَ مختلفةٍ حتى أصدر رؤوفين أرليخ وهو كولونيل في المخابرات العسكرية الإسرائيلية( أمان) كتابه: المتاهة اللبنانية".

رؤؤفين أرليخ وهو أيضاً رئيس مركز أبحاث التراث للمخابرات في جليلوت، رؤوفين هذا له أيضاً دراسةٌ اعترفَ فيها، مُتَباهِياً أنَّ اغتيالَ الرئيس رفيق الحريري أدّى إلى بَسْطِ سيطرةِ أميرِكا، وتثبيتِ استراتيجيتِها في لبنان؛ ونفعتِ الإستراتيجيا " الإسرائيلية " وأهدافَها، وهو موضوعٌ، وإن كانَ مُختلفاً عن ماهيةِ ومضمون البحث، إلاّ أنّي أوردتُه كإشارةٍ إلى طبيعةِ السلوكِ الصهيوني.

يقول رؤوفين أرليخ في كتابه الذي يستند فيه الى الأرشيف الصهيوني وأرشيف: " دولة إسرائيل " وأرشيف " الجيش الإسرائيلي " وأرشيف "الهاغاناه" وأرشيف "شعبة الاستخبارات العسكرية"وأرشيف حزب العمل"، علاوةً على مُراسلاتِ زعماءِ الحركةِ الصهيونية، خصوصاً دافيد بن غوريون وموشي شاريت، وكُتُبِ اليومياتِ والمذكِّراتِ والشهاداتٍ الشخصية، وكذلك الوثائقُ المحفوظةُ في معهدِ تُراثِ بِنْ غوريون، فضلاً عن مئات الكتب والمقالات العبرية والعربية والمقابلات الشخصية المباشرة.

وأهمِّيةُ هذا الكتابِ الخطيرِ ليس في معلوماتِهِ الغزيرةِ فَحَسْب، بل في تفصيلاتِهِ الكثيرةِ وشمولِيَّتِهِ، وإحاطته بالموضوع الذي يدرسه المؤلف، وهو لا يكتفي بسردِ الوقائع المستلّةِ مِنَ المحفوظاتِ الصهيونية، بل يحللها بمنهجٍ يجمعُ المعلوماتِ إلى الإستراتيجيا والسياسات في سياقٍ تاريخيٍّ واحد.

وفي الكتابِ تفصيلاتٌ صادمةٌ عن علاقةِ الحركةِ الصهيونيةِ بشخصياتٍ لبنانيةٍ بارزة، أمثال الرئيس إميل إدة وخيرِ الدينِ الأحدَبِ والشيخ حسين حمادَهْ والمطران عبدالله الخوري ومحمدالعبدالله وجورج مشحور وراشد الرِّيشاني، والصحافي إلياس حرفوش، صاحبِ صحيفةِ "الحديثِ" اللبنانية.

وفي الكتابِ محاضرُ اجتماعاتِ إميل إدّةوطوبياأرازي،وتفصيلاتٌ عنِ الصِّلاتِ التي عقدتْها الوكالةُ اليهوديةُ معَ توفيق سمعان وإميل الخوري حرب وشارل مالك ومحمد علي حمادة وإلياس ربابي الذي تسلم من الوكالة اليهودية مبالغ نقدية، تافهةتبرهنُ وضاعَتِهِ وانحطاطِه؛ فضلاً عن كميل شمعون الذي لم يتورّعْ عن تسلُّمِ مئات الرشاشاتِ وآلافِ الطلقاتِ الحربيةِ من إسرائيل، في سنةِ 1958، وحذا حزبُ الكتائبِ حَذْوَهُ، حذو النعل للنعل.

كما يتضمنُ الكتابُ معلوماتٍ وافيةً عن المطران إغناطيوس مبارك وإميل إدة وألبير نقاش (مؤسس جمعية الفينيقيين الشبان، الصهيونية الهوى)، وعن لقاءات رياض الصلح والوكالة اليهودية، وكذلك المونسنيور يوسف رحمة وقيصر إدّة وشارل قرم (شريك ألبير نقاش في تأسيس جمعية الفينيقيين الشبان) وجوزف عواد وإلياس ربابي ونجيب صفير الذي وصفه الصهيوني دافيد أدير بـِ "النصّاب"، مع أنه جهد واجتهد في خدمة الحركة الصهيونية، واقترح على حاييم وايزمان في سنة 1919 تقسيم المنطقة كالتالي: لبنان للمسيحيين، سورية للمسلمين، فلسطين لليهود.

وفي تلك الفترة، كان في لبنان تيار سياسي وفكري، يعتقد أن قيام دولة يهودية في فلسطين، إلى جوار لبنان، من شأنه أن يضمن بقاء لبنان المسيحي، ويحمي وجوده، ويقف حائلاً دون سيطرة سورية على لبنان والأردن، ويوجه ضربة لفكرتي الوحدة العربية والعروبة معاً. ولاحظ رؤوفين إرليخ أن تيارين تبلورا في الوسط الماروني آنذاك: تيار انفصالي يرى في لبنان وطناً قومياً للمسيحيين مع هيمنة مارونية، على أن يتم تقليص حدوده، بحيث يتضاءل وجود المسلمين فيه، وكان على رأس هذا التيار إميل إدّة والبطريرك أنطوان عريضة والمطران أغناطيوس مبارك مطران بيروت للموارنة. وتيار آخر قَبِل بلبنان في حدوده التي أعلنها الجنرال غورو في سنة 1920، وكان أشهر ممثلي هذا التيار الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح وميشال شيحا. ويروي الكتاب أن الصحافي إلياس حرفوش قال لإلياهو إيلات، حين التقاه في الولايات المتحدة الأميركية في 12/10/1946 إن الأوساط المارونية باتت تدرك أن من الضروري تقديم تنازل جغرافي لضمان الهيمنة المسيحية في لبنان، وأن من الضروري إعطاء صيدا وصور لإسرائيل المجاورة .

ختاماً وامام هذا العرض السريع والمقتضب لحقائق تم الكشف عنها يبدو السؤال ملِحّاً .. لبنان الى اين ؟ وهل من إمكانية لاعادة استيلاد كيان متماسك ومستديم ؟

الأمور برأيي مربوطة بتحولات الإقليم فلبنان ليس جزيرة ولن يكون.ن