عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
لم يكن تصريح المبعوث الأمريكي طوم براك، بحق الصحافيين اللبنانيين، حين وصف تصرفهم بـ"الحيواني"، مجرد زلة لسان أو إنفلاتًا عابرًا من الأعراف الدبلوماسية. بل بدا وكأنه فعل مقصود، هدفه إهانة الحاضرين وإذلال الجسم الصحافي اللبناني، وإيصال رسالة مباشرة بأن لبنان كله، رسميًا وشعبيًا، يجب أن يخضع للإملاءات الصهيو–أمريكية.
فالوفد الأمريكي جاء إلى بيروت بعد سلسلة لقاءات في تل أبيب، حاملاً معه تصورًا يعيد الأمور إلى نقطة الصفر: لا إنسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، ولا أي خطوة مقابلة، بل شرط أساسي مفروض على الدولة اللبنانية بأن يسلم حزب الله سلاحه وينسحب إلى ما وراء الليطاني وفق القرار 1701. أي أن الوفد لم يحمل مقترح تسوية متكافئة، بل صيغة إذعان أحادية تُمكّن إسرائيل لاحقًا من التصرّف بحرية عسكرية وسياسية.
في هذا السياق، يمكن قراءة إساءة براك للصحافيين على أنها مناورة ذكية –لكنها وقحة– لتشتيت أنظار الإعلاميين عن جوهر الطرح الأمريكي، وحرف النقاش من مضمون المفاوضات إلى قضية جانبية تتعلق بالأدب الشخصي. واللافت أن أيًا من الصحافيين أو الحاضرين لم يرد على هذه الإهانة الصريحة، الأمر الذي أثار لاحقًا موجة انتقادات حادة ضد الجسم الإعلامي لتخاذله عن الدفاع عن كرامته.
إن ما حصل يثبت أن المبعوثين الأجانب، مهما علت مناصبهم، لا يملكون ترف الاستهتار بالكرامة الوطنية اللبنانية. فالكلمة المهينة اليوم قد تتحول إلى سابقة غدًا، تُستَخدم لتكريس معادلة الخضوع. ومن هنا يصبح لزامًا على الصحافيين، والرأي العام عمومًا، أن يواجهوا هذا السلوك الاستعلائي بالرفض والمقاومة، وأن يثبتوا أن بيروت ليست ساحة مباحة للإذلال.
فإن كان براك ظن أن إساءته تمر مرور الكرام، فعليه أن يتذكر أن ذاكرة الشعوب طويلة، وأن عشرات الأحذية على شاكلة حذاء منتظر الزيدي جاهزة دائمًا لمواجهة كل من يتطاول على كرامة اللبنانيين.
الخاتمة
من الناحية القانونية، فإن ما صدر عن المبعوث الأمريكي طوم براك يُعدّ خرقًا صريحًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تنص بوضوح على وجوب احترام المبعوثين لسيادة الدولة المضيفة، والامتناع عن أي تدخل في شؤونها الداخلية أو أي سلوك ينطوي على إهانة لمواطنيها ومؤسساتها.
وإن خرق هذه القاعدة لا يُسقط فقط الهيبة عن موقع المبعوث، بل يضع تصرفه في خانة السلوك غير المقبول دوليًا، ويستوجب ردًا رسميًا يحمي الكرامة الوطنية. ومن هنا، يصبح لزامًا على الدولة اللبنانية والإعلام اللبناني معًا أن يضعوا حدودًا واضحة لأي تجاوز، وألّا يسمحوا بتكرار هذه السابقة التي لا تمسّ الصحافيين وحدهم، بل تمسّ لبنان ككل.
فلننتظر تصرف الخارجية اللبنانية؛ أو أنها مع السيادين الجدد الذين يتحركون فقط ضد تصريحات المسؤولين الإيرانيين‼️‼️‼️‼️‼️
وإنَّ غدًا لناظره قريب
27 آب/أغسطس 2025