منذ أن حطت جينالوجيا الدم أسطرها الأولى على رمال التاريخ، والمشروع الغرابي يحوك خيوطه بخيال ميتافيزيقي يسمى ”الأرض الموعودة"، بين النيل والفرات، حيث تتغذى سايكلوجيا الرعب الجماعي على براءة الطفولة، ويستباح الزيتون والمقدس (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) في موائد الملح المر، حيث العروش الرملية تشرب كؤوس الذهب المسموم، تعقد الصفقات وتسرب المؤن للغربان السوداء، وتمول خيمة الذهب المسموم العدوان على الأبرياء. إنها ميتافيزيقية النفاق السياسي، حيث تباع الضمائر، ويختبر ضمير الأمة، وتتحول القيم إلى سلعة رخيصة، كما قال غرامشي: ” الأمة التي لاتحمي وعيها تصنع لتكون عبئا على نفسها". وعلى الضفة الأخرى، جيوش ”النار المبرمجة" ترفع راية الجهاد لتذبح بها روح الإسلام الرحماني، صنعت في مختبرات وزراة عاصمة الضباب لتكون أدوات تكنيكية في خدمة للمشروع الغربي_الإستعماري. هم خناجر مأجورة. أقنعة سوداء، وأحزمة تفجير للوعي الجماعي.
(يحرفون الكلام عن مواضعه) الطائفية تحولت إلى براديغم سياسي، أداة إختراق ناعم بتوقيع خشن، تفكك الأوطان إلى فسيفساء من الشك والخوف، كما قال نيتشة: ”الأمة التي تفقد روحها تتحول إلى كتاب مفتوح في يد الغزاة." في المقابل بزغت المقاومات شعاعا يفضح الظلام، في غزة واليمن والعراق وسورية ولبنان، حيث رجال الله فوق أرضه لاتستهويهم الكراسي بل الشهادة. خلفهم عاصمة السجاد الأصيل والزعفران وشهداء حرب الثماني سنوات الأبرار شامخة بالتضحيات، وباكستان التي لم ولن تتوان عن دعم الحق، لتقول للعالم إن العروبة والإسلام مازالا حاضرين في أرضهم ووعيهم (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). اما الإعلام الموجه فقد تحول إلى بوق لتجميل الباطل وإخفاء الخسائر، في حين أن العدو هش كبيت العنكبوت ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) الكلمة حين تشحذ بالصدق تصبح سهما، وبالوعي تتحول إلى جبهة، والحقيقة إلى سلاح كما قال فوكو: ”السلطة إنتاج للخطاب الذي يتحكم في وعي الجماعة." فلسطين اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصرة بل أنطلوجيا وجودية وميزان قيمي من صمد فيها إرتقى على منصة الكرامة، ومن خان غرق في وحل الاستلاب ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله). كل تحرك خفي، وكل طاولة مظلمة، وكل شعار كاذب، سيتم كشفه ببضعة سطور صادقة، لتبقى الحقيقة فوق الجميع، والوعي الحصن المنيع الذي لايقهر. هنا نثبت أن البلاغة ليست مجرد كلام بل رصاصة فكرية وعقيدة صادقة، وراية للعدالة، ترفع فوق كل محاولات الغزو والإحتلال النفسي والمادي.
فالكلمة الحرة الصادقة ليست مجرد مداد حبر، بل قدر يسطر وسيف يقطع أوهام الغزاة قبل أن يقطعوا أوطاننا.وحين نهتك المستور... ببضعة سطور يغدو البيان جبهة والوعي حصنا والحقيقة سلاحا لايهزم.
مفكر، كاتب، محلل سياسي وإعلامي سابق في الغربة