عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
منذ صعود ترامب إلى السلطة عام 2016، تعامل مع قضايا الشرق الأوسط بعقلية التاجر، لا بعقلية رجل الدولة. ونظر إلى غزة كفرصة استثمارية لشاليهات ومسابح، وتحدث عن جنوب لبنان كمنطقة سياحية واعدة، وكأن هذه المناطق خالية من السكان والهوية والتاريخ.
هذه المقاربة تكشف عن عقلية إستعمارية ترى الشرق الأوسط مجرد عقار شاسع، ينتظر أن يدرّ الأرباح لشركاته ولشركائه.
ففي رئاسته الأولى، حاول ترامب استقدام شركات نفط للتنقيب في شرق سوريا، وسعى للسيطرة على منابع النفط العراقية، لولا تحذير مستشاريه من تداعيات خرق سيادة دول ذات وزن سياسي وديموغرافي؛ غير أنّ فكرته لم تُمحَ، بل بقيت أساسًا في مشروعه القائم على "خصخصة" مناطق النزاع وتحويلها إلى موارد اقتصادية خاضعة للبيت الأبيض.
واللافت أنّ ترامب، بخلاف الخطاب السياسي التقليدي، لم يُخفِ نظرته إلى المنطقة كأرض فارغة من الشعوب، بل صرّح بذلك أكثر من مرة، مؤكدًا أنّ ما يهمه هو استغلال الأرض والثروات، أما السكان فمجرد عائق يمكن التخلّص منه عبر الحروب أو التهجير أو الحصار. وهذا يفسر تواطؤه مع المخطط الإسرائيلي في غزة والضفة، ومع الطموحات الإقليمية الرامية لإعادة رسم الخرائط.
في هذا السياق، يثار اليوم سؤال بالغ الخطورة: هل كان ترامب على علم مسبق بالعدوان الصهيوني على قطر منذ يومين ؟ الأدلة والشهادات السياسية والإعلامية أظهرت أن فريقه كان على تواصل مع أطراف إقليمية دفعت باتجاه هذا السيناريو، وأن موقفه الملتبس حينها لم يكن وليد لحظة بل جزءًا من حساباته التجارية للمنطقة. فهو لم يكتفِ بمباركة الحصار، بل أرسل إشارات متكررة إلى أن ثروات الخليج يجب أن تُدار بما يخدم "المصالح الأميركية أولًا".
إذًا، فترامب مشروع قائم على هدم أسس السيادة الوطنية للدول وتحويلها إلى "مناطق استثمار" مرهونة لصفقات مالية. وهناك احتمال كبير باتخاذ خطوات عدائية جديدة ضد دول مثل قطر تبقى قائمة، خصوصًا مع استمرار خطابه المتعالي تجاه المنطقة.
فترامب يمثّل خطرًا وجوديًا على الشرق الأوسط، لا لأنه يعلن الحروب فحسب، بل لأنه يحوّل الدول إلى "عقارات شاغرة" في ذهنه، ويفتح الباب أمام تحالفات إقليمية جديدة هدفها إعادة تقسيم المنطقة وفق منطق المال والنفوذ.
وفي المحصلة، لا يختلف "حلم ترامب الاستثماري" عن المشروع الصهيوني التوسعي المعروف بـ"إسرائيل الكبرى". فكلاهما ينطلق من عقلية إستيطانية تنفي وجود الشعوب الأصلية، وتتعامل مع الأرض كغنيمة قابلة للتقسيم والبيع.
فما يريده ترامب من غزة ولبنان وسوريا والعراق، يتقاطع بشكل مباشر مع ما يريده نتنياهو من فلسطين والأردن ومصر. إنّها شراكة معلنة في اغتصاب الأرض ومحو الذاكرة، وتواطؤ أميركي–إسرائيلي على تحويل الشرق الأوسط إلى شركة عقارية عملاقة بلا هوية ولا سيادة. ولهذا، فإن أي صمت عربي أو دولي أمام هذا النهج، سيجعل من المنطقة رهينة مشروع إبادة وتهجير جديد تحت غطاء "الاستثمار" و"صفقات القرن".
وإنَّ غدًا لناظره قريب
12 أيلول/سبتمبر 2025