عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
تُثبت الأحداث في غزة أنّ الولايات المتحدة لم تعد منحازة لإسرائيل فحسب، بل شريك مباشر في جريمة الإبادة. ففي مجلس الأمن، أسقطت واشنطن مشروع قرار يدعو لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، مستخدمة حق النقض (الفيتو) كأداة لشرعنة استمرار الإبادةالجماعية والتطهير العرقي؛ وإستكمال الَمجازر حيث يريد رفع أعداد الضحايا بأسلحة الموت الأمريكية. والحصيلة حتى اليوم : أكثر من 65,000 شهيد و166,000 جريح منذ 7 أكتوبر 2023.
ولا تزال عملية تسطيح كاملة لقطاع غزة تجري بخطى متسارعة مستهدفة كافة الأبراج والأبنية العالية ولا تستثني كافة الأبنية وحتى الخيام لتحويل القطاع إلى مكان غير قابل للحياة، تمهيدًا لترحيل قسري نحو المجهول.
لكن الغطرسة الأميركية لم تقف عند فلسطين. ففي العراق، ما زالت واشنطن تتصرّف كقوة احتلال مقنّع، تُبقي قواعدها العسكرية بذريعة "مكافحة الإرهاب"، بينما الغاية الفعلية السيطرة على القرار السيادي ومنع استقرار البلاد وطمعًا بثرواتها. وفي فيينا، عارضت أميركا قرارًا أمميًا يحظر استهداف المنشآت النووية السلمية التي تفتشها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتكشف أن القانون الدولي بالنسبة إليها مجرد أداة تستخدمها متى شاءت وتُعطّله متى تعارض مصالحها.
ففي هذا السياق، يتجاهل ترامب حقيقة أساسية أرساها ميثاق الأمم المتحدة: "حق الشعوب في تقرير مصيرها" . فهذا الحق غير قابل للتصرّف، ويشمل مقاومة الاحتلال، التحرّر من الوصاية والحفاظ على الاستقلال الوطني.
لكن الولايات المتحدة بتعطيلها القرارات الدولية العادلة، تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع هذا المبدأ، وتجعل من الفيتو غطاءً لحرمان الشعوب من حقوقها الأساسية، وتحويل نضالها المشروع إلى "تهديد للأمن".
فترامب هنا لا يتصرّف كزعيم دولة عظمى، بل كطاغية عالمي يتوهم امتلاك الشرعية الكونية. فيوزّع العقوبات هنا ويشعل الحروب هناك، مستخدمًا الأمم المتحدة كأداة لتكريس إرادته النرجسية. إن تحويل الفيتو إلى رخصة للقتل والإبادة يرقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، ويمثّل تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين.
واليوم، لم يعد كافيًا الاكتفاء بالإدانة أو الشجب. الإصلاح الجذري للنظام الدولي يبدأ من إلغاء حق النقض، لأنه بقاء الفيتو يعني استمرار الظلم، فيما إسقاطه قد يفتح الباب أمام عدالة أممية حقيقية، ويعيد للشعوب المقهورة حقها في الحياة والحرية وتقرير المصير.
إن ترامب ليس خطرًا على غزة أو العراق أو إيران فقط، بل على النظام الدولي برمته. إنه الوجه العاري للفوضى المشرعنة، وزعيم يسعى لتحويل العالم إلى ساحة مفتوحة لهيمنته المطلقة.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
19 أيلول/سبتمبر