ظلّت الأفران العالية، التي تعمل بالفحم وفحم الكوك، رمزاً لإنتاج الفولاذ طوال أكثر من قرن. لكنها تركت إرثاً ثقيلاً يتمثل في انبعاثات كربونية هائلة تصل إلى 2.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل 7–9% من الانبعاثات العالمية.
كل طن من الفولاذ المنتج في الأفران التقليدية يولد حوالي 2.3 طن من ثاني أكسيد الكربون ويحتاج إلى نحو 770 كجم من فحم الكوك. وحتى مع تطور إعادة التدوير (بنسبة تقارب 85%)، يبقى حجم الصناعة كفيلاً بإبقاءها في دائرة الضوء المناخي.
الأفران الكهربائية والهيدروجين أدوات التحول
تتجه الأنظار اليوم إلى الأفران الكهربائية (EAF) وتقنيات الاختزال المباشر بالهيدروجين (H₂-DRI).
الأفران الكهربائية تعتمد على صهر الخردة والحديد الإسفنجي باستخدام الكهرباء بدلاً من الفحم، مما يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 71% عند الاعتماد على مصادر متجددة.
أما الاختزال المباشر بالهيدروجين فيُعد التقنية الأكثر وعداً، إذ يقوم الهيدروجين الأخضر بفصل الأكسجين عن خام الحديد منتجاً بخار ماء بدلاً من ثاني أكسيد الكربون.
بحلول عام 2050، تتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن يشكل H₂-DRI مع الأفران الكهربائية نحو 44% من إنتاج الفولاذ العالمي، فيما ترجح تقارير أخرى ارتفاع النسبة إلى 64%.
تحديات إنتاج الهيدروجين الأخضر
لكل طن من الحديد المختزل بالهيدروجين، تحتاج الصناعة إلى نحو 50–60 كجم من الهيدروجين، ما يتطلب مئات الميجاواط من قدرات التحليل الكهربائي. دول مثل الصين والسويد وألمانيا تستثمر بالفعل في مشاريع ضخمة، بهدف خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى 2.4 دولار/كجم بحلول 2030.
التحليلات الحديثة تشير إلى أنه عند وصول سعر الهيدروجين إلى 1.5 دولار/كجم مع فرض ضريبة كربون بسيطة، يصبح الفولاذ الأخضر أرخص من الفولاذ التقليدي.
مصنع "Thyssenkrupp"
في مدينة دويسبورغ الألمانية، تبني شركة Thyssenkrupp Steel Europe أحد أول مصانع الاختزال المباشر بالهيدروجين على نطاق صناعي، بطاقة إنتاجية تصل إلى 2.5 مليون طن سنوياً من الحديد الإسفنجي.
المشروع سيقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 3.5 مليون طن سنوياً، أي ما يعادل 20% من انبعاثات الموقع.
يتطلب تشغيله حوالي 143 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً.
يمثل هذا التحول واحداً من أكبر مشاريع إزالة الكربون الصناعية في العالم.
سباق عالمي نحو "الفولاذ الأخضر"
بينما تقود أوروبا الشمالية المشهد عبر مشاريع مثل Hybrit في السويد، تبرز الصين بقوة بمشاريع هيدروجين ضخمة في منغوليا الداخلية. لكن التفاوت العالمي لا يزال قائماً، إذ تتأخر بعض الدول في تبني هذه الحلول.
لم يعد مستقبل صناعة الفولاذ مرتبطاً بالفحم والكربون، بل بالهيدروجين الأخضر والأفران الكهربائية. هذه التقنيات تمثل بوابة نحو فولاذ منخفض الانبعاثات، يقود تحولاً صناعياً حقيقياً نحو الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.