سوريا بين عودة الشرعية وضغوط التسويات الإقليمية
مقالات
سوريا بين عودة الشرعية وضغوط التسويات الإقليمية
وائل المولى
27 أيلول 2025 , 00:24 ص

تعيش سوريا مرحلة مفصلية من تاريخها السياسي، مع دخولها طوراً جديداً بعد سقوط النظام السابق، وظهور رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع كلاعب رئيسي في المشهد الإقليمي والدولي. ففي نيويورك، وعلى هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، في لقاء حمل دلالات عميقة على إعادة إدماج دمشق في الخارطة الدولية، بعد سنوات من العزلة والصراع.

‏الشرع شدد في كلماته على أن أولويته منع تقسيم سوريا ومواجهة المخاطر المحدقة بها، متعهداً بمحاسبة كل من تورط في إراقة الدم السوري. وأكد أن "إسرائيل تعمل بما يخالف القانون الدولي وتعرض المنطقة للخطر"، داعياً المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات بشكل كامل، بعد أن استعادت دمشق حضورها الدبلوماسي وعلاقاتها الدولية.

‏لكن خلف الأبواب المغلقة، يبرز صراع أكثر تعقيداً. فبحسب صحيفة يديعوت أحرنوت، ترى إسرائيل أن اللحظة الحالية تمثل فرصة استراتيجية نادرة، إذ تمتلك تفوقاً عسكرياً واستخباراتياً مطلقاً، وتعتبر أن أي اتفاق يقتصر على سوريا سيكون مجرد "هدية لتركيا"، القوة الحقيقية التي تحرك الخيوط في الملف السوري. من هنا، تطالب تل أبيب بربط أي تفاهم مع دمشق بخطوات تركية واسعة تشمل التطبيع الكامل والعلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي، محذرة من أنها ستواصل نشاطها العسكري في حال لم يتحقق ذلك.

‏الإدارة الأميركية، من جانبها، تؤكد التزامها بدعم مسار المرحلة الانتقالية في دمشق. المبعوث الأميركي الخاص توم براك أوضح أن سوريا تشكل "عنصراً محورياً في الاستقرار الإقليمي"، مشيراً إلى أن قرار ترامب بمنح النظام الجديد فرصة جاء استناداً إلى توصية مشتركة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وهو ما يعكس حجم التداخل الإقليمي والدولي في صياغة ملامح المستقبل السوري.

‏وزارة الخارجية الأميركية بدورها كشفت أن دمشق دخلت في حوار مباشر مع إسرائيل، واعتبرت الخطوة "مهمة جداً" بالنسبة لواشنطن التي ترى نفسها وسيطاً أساسياً في هذا المسار. لكنها، في الوقت ذاته، شددت على أن استمرار النزاعات سيؤثر على الاقتصاد السوري، مؤكدة دعمها لوحدة البلاد وقدرتها على السيطرة على أراضيها ومكافحة التنظيمات الإرهابية.

‏أما على الأرض، فقد بدأت إسرائيل بإنشاء خط دفاعي جديد تحت اسم "سوفا 53" بطول سبعين كيلومتراً في المنطقة العازلة مع الجنوب السوري، في خطوة وصفتها تل أبيب بأنها دفاعية، لكنها تكشف استمرار القلق من المستقبل المجهول.

‏وفي تصريح أثار الكثير من الجدل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن "من أسقط النظام السوري السابق كانوا يعملون بالوكالة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، معتبراً أن أنقرة لعبت الدور الأكبر في التغيير الذي شهدته دمشق. هذا التوصيف، الذي يمزج بين الإقرار بالدور التركي والإعجاب بفاعليته، يعكس أيضاً حجم نفوذ أنقرة في المرحلة الانتقالية.

‏اليوم، تبدو سوريا أمام مشهد مزدوج: من جهة، رئيس مرحلة انتقالية يسعى لإعادة بناء الشرعية الداخلية والخارجية، ومن جهة أخرى، شبكة معقدة من الضغوط والمطالب الإسرائيلية والتركية والأميركية التي ستحدد مآلات المرحلة المقبلة. وبينما يؤكد أحمد الشرع أن هدفه بناء دولة موحدة قادرة على فرض سيادتها، فإن الطريق إلى الاستقرار سيظل مرهوناً بموازين القوى والتسويات التي لم تُحسم بعد، في لحظة تاريخية قد تعيد رسم خريطة المشرق لعقود قادمة.

المصدر: موقع اضاءات الإخباري