من المفترض أن تكون الأدوية علاجاً ووسيلة للشفاء، لكن الغريب أن معظمها يتميز بطعم مر أو مذاق مزعج. من شراب الأطفال المرّ إلى الأقراص ذات الطعم المعدني الذي يظل عالقاً في الفم، يطرح السؤال نفسه: لماذا مذاق الأدوية سيئ؟ وهل لهذا الأمر تأثير على فعاليتها أو تقبّل المرضى لها؟
الأدوية الحديثة مستوحاة في الأصل من مركبات طبيعية موجودة في النباتات أو الكائنات البحرية مثل الإسفنج والمرجان. هذه الكائنات لا تستطيع الدفاع عن نفسها بالحركة، فتلجأ إلى إنتاج مواد كيميائية سامة كوسيلة حماية، كثير من هذه المواد — رغم سميتها — ألهم العلماء لصناعة أدوية فعّالة بعد تعديلها لتصبح آمنة.
دور التذوّق في اكتشاف السموم
البشر والكثير من الحيوانات طوّروا مستقبلات للتذوّق المرّ كإشارة تحذير طبيعية لتجنب السموم. لذلك فإن المرارة التي نشعر بها عند تناول بعض الأدوية ليست مجرد صدفة، بل انعكاس لوظيفة تطورية قديمة تهدف لحمايتنا من المواد الضارة.
كيف تتحول السموم إلى علاج؟
مع تطور العلم، تعرّف الباحثون على كيفية تفاعل هذه المركبات مع الجسم. وبذلك تمكنوا من استخدامها كأساس لتصميم أدوية قوية مثل البنسلين والمورفين. لكن معظم الأدوية الحالية ليست مواد طبيعية خام، بل مستوحاة من بنيتها الكيميائية مع تحسينات لزيادة فعاليتها وأمانها.
الفرق بين المادة الفعّالة وشكل الدواء
توضح باهيجا رايمي-أبراهام، خبيرة علم الأدوية من كلية كينغز بلندن، أن هناك فرقاً بين المادة الفعّالة وبين الشكل الصيدلاني الذي يصل للمريض. فالأدوية تحتوي إلى جانب المادة العلاجية على مكونات إضافية غير فعّالة (سواغات) تساعد على امتصاص الدواء، وزيادة ثباته، وتحويله إلى شراب أو كبسولة أو أقراص سهلة الاستخدام.
نظرياً، يمكن إضافة منكهات ومحليات لتخفيف الطعم السيئ، لكن المسألة أعقد من مجرد النكهة. فالمذاق يعتمد أيضاً على الرائحة، الملمس، المظهر وحتى الطعم الذي يظهر بعد بلع الدواء.
تحديات مع الأطفال وكبار السن
أكثر من يعاني من مرارة الأدوية هم الأطفال وكبار السن. رفض تناول الدواء قد يعرض صحتهم للخطر، وقد يؤدي عدم الالتزام بالجرعة إلى مشكلات أكبر مثل مقاومة المضادات الحيوية. لذلك تسعى شركات الأدوية لإيجاد حلول مبتكرة لتحسين المذاق مع الحفاظ على فعالية العلاج.
جهود شركات الأدوية لتحسين المذاق
تستثمر شركات الأدوية ملايين الدولارات سنوياً في أبحاث تهدف إلى جعل الأدوية أكثر تقبّلاً. وتشمل استراتيجياتها:
استخدام محليات ومنكهات طبيعية وصناعية.
تغليف الأقراص بمواد تخفي الطعم.
تعديل البنية الكيميائية لبعض الأدوية لتقليل المرارة.
إضافة مكونات تغيّر قوام الدواء وتجعل بلعه أسهل.
ورغم هذه الجهود، يبقى التوازن بين الفعالية والطعم مسألة معقدة، ما يجعل بعض الأدوية لا تزال ذات طعم مرّ حتى اليوم.