كتب الأستاذ خضر ضيا: غزَّةُ… بابُ خيبر الذي لا يُغلق.
ثقافة
كتب الأستاذ خضر ضيا: غزَّةُ… بابُ خيبر الذي لا يُغلق.
خضر ضيا
1 تشرين الأول 2025 , 12:04 م



كأنَّ يوشَع يخرج من صفحات القِدَم،

متأبِّطًا سياسة العصا الغليظة،

يمدُّ يده بوعودٍ من نار،

ويسقط على الأُمم غبار التَّهديد،

محتَميًا بظلِّ مَن يملك صُوَر السماء

وصواعق البحر والجو والفضاء.

وترتجف غزَّة،

تلفحها القنابل كأنَّها شمسٌ حارقة،

لكنَّها تقابل اللهيب بصدرٍ مفتوح،

وتنهض من تحت الركام كزيتونةٍ لا تشيخ.

غير أنَّ عليًّا ما غاب،

فالسَّيف الذي فتح خيبر ما زال يشعل الخيال،

ويحفظ للأُمَّة وجهها،

ويذكِّرها أنَّ الحصون تُفتح بالعزم لا بالهوان،

وأنَّ اليد التي رفعت باب خيبر

قادرةٌ أن ترفع أبواب هذا الزمان.

خيبر ليست قلعةٌ من حجارةٍ فقط،

هي رمزُ مَن يريد أن يسرق القوت والماء،

ويبدِّد الذَّاكرة بين الأسوار،

لكنَّها في كلِّ مرة تسلِّم نفسها لعليٍّ جديد،

لمقاوم يحمل الرُّوح على كفِّه،

ويزرع في الطريق آياتٍ من صمود.

اليومَ قد يبدو أنَّ يوشَع يكتب السَّطر الأخير،

لكنَّ الكتابة لا تكتمل،

فالتَّاريخ لا يُختَم بمداد القوَّة،

بل بدمع الأمَّهات،

وبأحلام الطُّفولة التي ترسم العَلَم من شموعٍ صغيرة.

وغدًا، حين تهدأ الصواعق،

سيَعلم الطغاة أنَّ خيبر لا تُباع،

وأنَّ الأرض التي عُمِّدت بالدَّم

لا تستسلم لمَن رسمها على ورق أجنبيّ.

*****

في الميادينِ العربيَّة،

تتردَّد الأصواتُ بين خوفٍ ورجاء،

حكَّامٌ يكتبون على أوراقِ الغربِ عهودَ الطَّاعة،

وشعوبٌ تُمسِك بالترابِ كأنَّه الوصيَّةُ الأخيرة،

تسأل: أَإلى هذا الحدِّ يُباعُ التَّاريخُ؟

يوشَع يُلوِّحُ من بعيد،

يدعوهُم إلى موائدِ الصَّفقات،

يضعُ على الطاولةِ سيفًا من حديدٍ

ويقايضُهم بخُبزٍ مغمَّسٍ بالذِّل،

فيصمتُ بعضُهم،

ويُديرُ آخرون وجوهَهم إلى الظلِّ.

لكنَّ غزةَ تُعاندُ،

تَرفعُ بيدٍ جدارًا من صبر،

وبالأخرى تُلوِّحُ للسماءِ بنداءِ الشهداء،

فتغدو أصغرُ أزقَّتها

أوسعَ من عواصمٍ مكتظَّةٍ بالعروش.

وعليٌّ، رمزُ العدالةِ المفقودة،

يعودُ في هيئةِ طفلٍ يحملُ حجرًا،

في هيئةِ أُمٍّ تَطرُقُ على البابِ المُغلق،

في هيئةِ شيخٍ يقرأُ القرآنَ على رائحةِ البارود.

الزمنُ يَتأرجحُ بين سطرَين:

سطرٌ يكتبهُ يوشَعُ بمدادِ التهديد،

وسطرٌ يكتبهُ عليٌّ بمدادِ التضحية.

وأيُّهما يَبقى؟

ذلك ما تُجيبُ عنهُ أرواحُ الصامدينَ في وجهِ الطُّغيان.

وغدًا، حينَ يَنقشعُ الغُبار،

لن تُرى على الأرضِ سوى آثارِ الأقدامِ التي مشت في طريقِ الكرامة،

وسيُفتَضحُ كلُّ مَن باعَ العُمرَ بلقمةٍ مسمومة،

وتُرفَعُ راياتٌ لم تُكتَب بالحِبر،

بل كُتبت بالدَّم،

لتُعلِن أنَّ خيبرَ، وإن تكرَّر حصارُها،

فهي في كلِّ مرّةٍ تُفتَحُ من جديد.

*****

إنَّ الأزمانَ دُوَلٌ،

وما يُكتَبُ بالسَّيفِ قد يُمحى بدمعةٍ صادقة،

وما يُفرَضُ بالخوفِ ينهارُ عندَ أوَّلِ نسمةِ حرِّيَّة.

يوشَع قد يَنتصرُ في جولة،

لكنَّه لا يملكُ مفاتيحَ القلوب،

ولا يَقدِرُ أن يُغيِّرَ ما استقرَّ في جوفِ الأرضِ

من عشقٍ للحرِّيَّةِ والكرامة.

وعليٌّ، وإن غابَ وجهُه عن المشهد،

فصوتُه يظلُّ يتردَّدُ في الضمائر:

“لا سيفَ إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ.”

صوتٌ ينهضُ من بينِ الرُّكام،

ويُذكِّرُ أنَّ خيبرَ ليست مجرَّدَ قلعة،

بل عهدٌ بين الإنسانِ وأرضِه،

وعهدٌ بين الدمِ والذَّاكرة.

فليكتُبِ الغاصبونَ ما شاؤوا،

وليتوهَّموا أنَّ الأرضَ تُباع،

لكنَّ غزّةَ تُعلِّمُنا أنَّ النُّجومَ لا تُطفأُ بالقنابل،

وأنَّ بابَ خيبر،

مهما ثَقُلَ على الأكتاف،

سيُرفَعُ من جديد.

*****م