خطة ظاهرها
مقالات
خطة ظاهرها "إحلال سلام" وباطنها حقل ألغام
مجد شاهين
2 تشرين الأول 2025 , 19:34 م


مجد شاهين

في اجتماعاتٍ دولية تترنح فيها الكلمات بين وعودٍ وتصريحات مسرحية، قدّم رئيس "طامح" خطة "لإحلال السلام" في غزة.

قدم ترامب في الاجتماع الأخير بمقر الأمم المتحدة مع زعماء دول إسلامية وعربية خطة يزعم فيها إحلال السلام وإيقاف الحرب في القطاع.

لكن يا صديقي كيف لترامب المشارك في الإبادة هو نفسه يريد إحلال السلام؟ ألم يكن هناك اجتماع في مجلس الأمن منذ أسبوع مضى وطالبت الدول وقف الإبادة في غزة لكن قامت مبعوثة أمريكا باستعمال الفيتو وأوقفت مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة؟

لنتفق أولا أن ترامب شخصية نرجسية مريضة تعشق المشاهد المسرحية، وثانيا أنّه داعم أساسي للكيان في خطواته.

خطة ترامب التي نشرت بصيغة وثيقة من ٢٠ بندا ترتكز أساسًا على ثلاث بنود مركزية ركّزت عليها تصريحات البيت الأبيض خلال العرض الأخير

انسحاب تدريجي للقوات، إحلال قوات عربية مكان الجيش الإسرائيلي، وتمويل عربي لإعادة الإعمار هذه بعض النقاط من جملة خطة ترامب " لاحلال السلام".

للبعض ربما هذه رؤية وردية "نهاية للحرب" ، مدن تُعمر، حياة ترجع إلى الناس… لكن عندما نزيل الأقنعة ونفكر خطوة خطوة، نكتشف أن الخطة أقرب إلى فخ ذكي ومخطط محكم يخدم أهدافًا أعمق بكثير.

مسألة "الانسحاب التدريجي"..

من يضمن سقفا زمنيا حقيقيا ؟! من سيشرف على الانسحاب؟ وما الضمانات القانونية والآليات التي تمنع العودة في أي ذريعة؟ في غياب إجابات واضحة وآليات رقابة مستقلة وملزمة، يصبح الانسحاب مجرد موقف مسرحي يمكن التراجع عنه متى شاء الطرف الذي يملك القوة.

إحلال قوات عربية لإدارة غزة ونزع سلاح المقاومة

هنا يكمن الفخ الأوسع... نزع سلاح المقاومة من قبل جيوش عربية يعني إقحام هذه الجيوش في مواجهة شعبية داخلية معها ، وهو خيار مرفوض شعبيا وسياسيا.

في حال فشلت هذه الأنظمة في "إنجاز المهمة"..وهو احتمال وارد و كبير.. فإنه يمنح الاحتلال ذريعة للعودة واتهام العرب بالعجز، وهكذا تتحول المسؤولية وتتشابك الأيادي بالدم من جهات متعددة.

أيًّا كان السيناريو، الفائدة الكبرى هنا للطرف الذي صاغ الخطة ويستخدمها لإخراج العرب من موقع المظلومية إلى موقع الشريك في القرار أو الفشل.

إعادة الإعمار بتمويل عربي

استثمار ام انقاذ ؟

من أين تأتي الأموال؟ من ستخدم؟ هل ستكون تعويضا مباشرا للجرحى والمشردين أم مشاريع استثمارية تهيمن عليها رؤوس أموال وشركات دولية بصبغة"تنموية"؟

هناك خطر أن تتحول غزة إلى مشروع تجاري كبير لا ينعكس نفعه الحقيقي على أهلها، بينما يتحقق هدف استراتيجي بتحويل القطاع إلى نموذج استثماري يخدم أطراف خارجية دون أن تدفع ثمنا سياسيا أو أخلاقياا يذكر.

الخطة قد تقدم كحل سريع امام الرأي العام، لكنها في صلبها فخ سياسي واستراتيجي.

إما أن تُستخدم لتمرير صفقة تُلزم الأطراف العربية بأن يتحملوا عبء المواجهة المباشرة مع المقاومة "وهو أمر مرفوض شعبياً" أو أنها تُستخدم كغطاء لإعادة ترتيب المشهد السياسي والإداري لصالح مصالح لا علاقة لها بحقوق أهل غزة وكرامتهم.

أن يُطلب من شعوب عربية ومسؤولين ان يوافقوا على هذا المسار خلال أربعة أيام فقط قبل لقاء مصيري.. فهذا ليس خيارا دبلوماسيا عقلاني .. بل محاولة للضغط والاحتراف في التوقيت.

الوقت للتريّث والقراءة المتأنية والتحقق من الضمانات والتفاصيل القانونية، وليس للرضوخ لعرض مصاغ ليخفي نوايا قاسية.

في مواجهة ذلك، يجب أن نطالب بمقاييس شفافة: جداول زمنية واضحة وملزمة، آليات رقابة دولية مستقلة، بنود تحفظ حقوق المدنيين، وضمانات تمنع تحويل إعادة الإعمار إلى مشروع يغيّب السكان. وإلا فستبقى الخطة حقل ألغام يقتل فرص السلام الحقيقية ويعيد توزيع المسؤوليات بطريقة تخدم غير اهل غزة.

الخطة قد تُقدم كحصان طروادة سياسي.. "سلام" شكلي.. يقلب أدوار الضحية والمتحكم، ويفتح الباب أمام أعادة هندسة المشهد بما يخدم أجندات بعيدة عن مصالح أهل غزة.

لا للرضوخ لعرض يُقدم بعجالة، ولا لسياسات تحوّل الشهداء إلى أوراق تفاوض.

الوقت للتروّي، للمطالبة بضمانات حقيقية، ولِلمساءلة وإلا فستبقى الخطة حقل ألغام يقتل السلام الحقيقي قبل أن يولد.