كتب عمر معربوني:
مقالات
كتب عمر معربوني: "ماذا ينتظر المنطقة ولبنان في المرحلة القادمة"؟
عمر معربوني
4 تشرين الأول 2025 , 21:56 م


يتعرض لبنان والمنطقة لحـــرب من نوع جديد اسمها "الحـ.ـرب الإدراكية"، وهي حــــــرب تُستخدم فيها كلّ أدوات الحـ.ـرب الإعلامية والنفسية، لإقناع الجميع بأنَّ "إسـرائيـل" حققت النصــر وأنّ المـقاومة هُزمت ولن تقوم لها قيامة أبدًا، وهو دأب كلّ من يشارك في هذه الحـ.ـرب سواء كانوا أشخاصًا أو جهات أو مؤسسات.

منطقيًا وفي ظل حالة الصراع المستمرة لا يجب استبعاد أي عـدوان "إســرائـيـلي" واسع في أي لحظة، علمًا أنّ الـعـ.ـدوان مستمّر يوميًا عبر عـــ..ــمـلـيـات القصـ..ـف والاغتيال التي تتراوح بين عمليات، عبر المسَيّرات وقصف عنيف عبر الطائرات الحــربية.

في العناوين الرئيسية للصراع لا شكّ أن كثيرًا ممّا يكتبه أو يصرّح به البعض حول عـ..ـدوان واسع هو حقيقة دامغة، إلاّ أنّ المنفِّر في الأمر هو تحديد توقيت وحجم ومدى وسيناريوهات هذا الـعـ.ـدوان بشكل يوحي للمتابع بأنّ المتحدثَ أو الكاتبَ يتواجد في غرف العمليات، وهو أمر غير دقيق وغير صحيح.

ويبقى التحليل عبر ربط الوقائع والمعطيات، والخروج بخلاصة أقرب إلى الحصول هو الأفضل، بدل الادّعاء بامتلاك المعلومات، لأنه وبحكم تجربتنا الطويلة، فإنّ الكثير من المعلومات تتغير بين ليلة وضحاها، بالنظر إلى تبدُّل الظروف والأهداف، بسبب تحوُّلات الصراعِ التفصيليةِ نفسها؛ ما يؤثِّرُ على جدول الأولويات، وتصبح المعلوماتُ المُعلنةُ مُجَرَّدَ لغوٍ وثرثرة.

في مقاربة منطقية وواقعية لما ينتظر لبنان، يجب الانطلاق ممّا يعلنُهُ ترامب ونتنياهو، بما يمثّل خلاصةَ السياسةِ الأميركية و"الإســـرائــيـلية"، بدءًا من العناوين ونزولًا نحو التفاصيل، مرورًا بالوضعية الحالية.

ولِتكوِينِ صورة دقيقة عن الاحتمالات، يجب تحديد الأولويات بالنسبةِ للأميركيين والإسـرائيليين، وترتيبها انطلاقًا ممّا هو مُعلن.

بالنسبةِ للأميركيين، لم يتغير شيء في المشروع الأميركيّ، سوى آلياتِ التنفيذِ التي تتغيرُ بشكلٍ دائم، ولكنها تبقى ثابتة بما يرتبط بأساسيات المشروع، وعنوانُهُ الرئيسيُّ: الهيمنةُ على ثروات المنطقةِ ومقدراتها.

بالنسبة للكيان "الإســرائـيـلي"، لم يعدمشروعُ"إسرائيل الكبرى" مجردَ طَرْحٍ نظريّ، حيث انتقل به نتنياهو إلى مرحلةِ إعلانه، عبر نشرِهِ خريطةً تُوضِحُ الأراضيَ المُرادَ السيطرةُ عليها، وهي ترجمةٌ لشعار: "حُدُودُكِ يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".

بداية لا بدّ من الإشارة إلى أن "إسرائيل الكبرى"هي مشروعٌ توراتيٌّ يستحضر ُالموروثَ التلموديَّ، لتبريرِ سياساتِهِ التَّوَسُّعِيَّة، خاصةً وأنَّهُ تَوَعَّدَ، قبلَ أعوامٍ بقِيادة "إسـرائـيـل" إلى ما سمّاهُ "قَرْنَها المِئَوِيّ"، وفاجأ الجمعيةَ العامةَ للأممِ المتحدة في 22 سبتمبر/أيلول 2023 بعرضه "خريطةَ إســـ.ـرائـ.ـيـل".

تضم خارطة "إسرائـيـل الكبرى" التي أعلنَها نتنياهو:

كاملُ فلسـ.ـطينَ التاريخية، ومساحتها 27 ألف و27 كيلومترا مربعًا، ولبنان ومساحته 10 آلاف و452 كيلومترًا مربعًا، والأردن ومِساحتُهُ 89 ألف و213 كيلومترًا مربعًا.

وأكثرُ من 70 بالمئة من مِساحةِ سورية البالغة 185 ألفًا و180 كيلومترًا مربعًا، وهي الأراضي غرب الفرات، ونصفُ مِساحةِ العراق البالغةِ 438 ألفًا و317 كيلومترًا مربعًا، أي الأراضي الواقعةُ على الضفّةِ الغربيةِ للفرات.

ونحوُ ثُلُثُ الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألف ِو690متراً مُربّعاً.

وربعُ مِساحةِ مِصر البالغةِ نحوَ مليونِ كيلومترٍ مُربّع.

وكاملُ الكويت، البالغةُ مساحتها 17 ألفا و818 كيلومترًا مُربّعًا.

وجزءٌ من تركيا هو في الحقيقةِ لواءُ إسكندرونَ المسلوخُ من سوريّة.

ربطاً بما طرحه نتنياهو، لا بُدَّ مِنَ التَّذكيرِ بما قالهُ توم برّاك، وهو كلام يتماهى مع أحلام نتنياهو، حيث قال: إنه لا يعترف بالشرق الأوسط منطقةً سياسيةً شرعية، وإنّها ليست سوى لِمجموعةٍ مِنَ القبائلِ والقرى التي جرى تقسيمُها على أيدي القِوى الأوروبية.

وهو ما قاله برّاك في مناسبةٍ سابقة، مِنْ أنَّ "إسـرائـيـلَ" غيرُ مهتمة بالالتزام بحدود الشرق الأوسط بموجب “اتفاقية سايكس بيكو”، خلال الحـ.ـرب العالمية الأولى، ولَدَيْها “القدرةُ أو الرغبةُ” في السيطرةِ على لبنانَ وسوريةَ، وأنّ "إســرائـيـل" تفعلُ ما تشاءُ وكما تشاءُ، وأينَما تشاء.

بهذا المنطق، وبمنطق ترامب الأخير بعد عرضِهِ لخطةِ غزّة، حيثُ قالَ بوضوح: إذا لم توافقْ حمــاسُ، فنتنياهو يعرف ماذا عليه فعله.

الأولوية حاليًّا، بالنسبة لنتنياهو برأيي، هي غزّةويليها لبنان،ورُبّما بالتوازي معَ غزّةَ، كونَهُ يعتبرُهما منطقتين رخوتين .

وفي كلا الحالتين،لايمكنُ الابتعادُ عن فَرَضِيَّةِ أن يكونَ لبنانُ ضِمْنَ أولوياتِ الكيـان "الإسـرائيـلي" كونَهُ لا يزالُ في التصنيفِ "الإسـرائـيـلي" على رأسِ قائمةِ المخاطرِ والتهـ..ـديدات، رَبطًا بقربهِ جغرافياً من فلسـطين المحتــلة، وهو ما يُشَكّلُ مخاطرَ من احتمالِ احتـ ـلالِ الجيشِ "الإسـرائيلي" لمنطقة جنوب الليطاني، وربما حتّى نهر ِ الأولي، مع احتمالِ تنفيذِ عملياتِ تقطيعِ أوصالٍ يُمْكِنُ للجيش الإسرائيلي، بعد تموْضُعِهِ الأخيرِ في جبلِ الشيخِ ووُصولِهِ إلى منطقةِ رخلة في سوريةَ، تنفيذُهابشكلٍ أسـرعَ مِمّا كانت عليه الأمورُ سابقًا.

هذا إذا افترضنا أن من سينفذ العـمليات هم الإسـرائـيـليون وحدَهم.

أمّا إذا اتّخذ ترامبُ قرارَالمشاركةِ في العـمـلـيـات، وهو أمر حصل بالهــجوم على إيران، ويمكن أن يحصُلَ في أيِّ وقت، فسنكونُ حينَها أمامَ وضعيةِ حربٍ شاملة؛ كذلك ربطًا بما قاله توم براك، حيثُ اعتبرَ قوى المقاومةِ أفاعِيَ يجبُ قَطْعُ رأسِها.

ومسألةٌ أخرى، يجبُ عدمُ الاستهانةِ بها، وهي النظرةُ الأميركيةُللدولةِاللبنانيةِ خصوصاً مؤسسةَ الجيش، حيث تُوَجَّهُ اتهاماتٌ لِقـيا دةِ الجيشِ بعدمِ القدرةِ على تنفيذِ حصرِ السـلاح، واتهام بعض قادة الجيش بالتعاونِ مع حـزب الله، وآخرُها اتهامُ مديرِالمخابراتِ في الجيش بوضع سيارتِهِ بِتَصَرُّفِ الحاج وفيق صفا للانتقال إلى منطقة الروشة واتهامات أخرى للجيش وللدولة بشكل عام.

هذه الاتهاماتُ مضافاً إليها أنَّ أميركا لم ولن تقومَ بتسلــيحِ الجيشِ، بما يُمَكَّنه من مجابهةِ الجيشِ "الإســرائَـيـلي" تطرح مخاوف حقيقية على لبنان وهو ما يستدعي وجود فهم لبناني رسمي لطبيعة المخاطر والتعامل معها بصورة استباقية درءًا للمخاطر وتخفيفًا من احتمالات خطيرة جدًا.