الدولة العاجزة أمام العدوان... وحكومة إنصاعت للإملاءات الأمريكية
مقالات
الدولة العاجزة أمام العدوان... وحكومة إنصاعت للإملاءات الأمريكية
عدنان علامه
8 تشرين الأول 2025 , 09:03 ص


عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

منذ 27 تشرين الثاني 2024 وحتى اليوم، تجاوز عدد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان 4500 إعتداء موثّق بين غارات جوية وقصف مدفعي وصاروخي واختراقات جوية متكرّرة، في انتهاك صارخ للقرار الأممي 1701 ولسيادة الدولة اللبنانية. ورغم هذا التصعيد الممنهج، لم تتحرك الحكومة قيد أنملة باتجاه مجلس الأمن أو محكمة الجنايات الدولية أو محكمة العدل الدولية، لتقديم ملف قانوني يثبت هذه الخروقات والجرائم الموثقة بالصور والأسماء والتواريخ.

إن هذا الصمت المريب، وضع الحكومة في موضع شبهة واضحة بالانصياع أمام الإملاءات الأمريكية، خصوصًا بعد تسلسل المواقف السياسية المتخاذل، التي تجنّبت إدانة واضحة للعدوان الإسرائيلي، وامتنعت عن اتخاذ أي إجراء ديبلوماسي أو قضائي يحفظ الحد الأدنى من الكرامة الوطنية.

فالقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف لعام 1949، ينصّ بوضوح على أن إستهداف المدنيين محظور في كل الأحوال، كما يمنع استهداف الجرحى والأطفال، والعسكريين الذين أصبحوا خارج القتال أو لا يحملون السلاح لحظة الاعتداء. ومع ذلك، فإنّ إسرائيل تمادت في جرائمها، فقصفت سيارات مدنية، وأحياء سكنية، ومنازل لعائلات كاملة في بنت جبيل وصور والنبطية، أمام أعين العالم، ودون أن تتلقى حتى إدانة شكلية من الدول التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان.

وفي جريمة جديدة تُضاف إلى سجل العار، استهدفت طائرة إسرائيلية أمس في بلدة زبدين جريحًا كفيفًا كان في طريقه لتلقّي العلاج (الشهيد الجريح حسن عطوي) ، في إنتهاك صريح لكل مبادئ القانون الدولي الإنساني. وقبلها بأيام، وقعت مجزرة بنت جبيل التي أودت بحياة عائلة كاملة من المدنيين، ويحمل أفرادها الجنسية الأمريكية، ومع ذلك لم يصدر عن الرئيس الأمريكي ترامب ولا عن وزارة الخارجية الأمريكية أي إدانة أو تعزية، في مشهد يكشف نفاق واشنطن وانحيازها المطلق للجلَّاد على حساب الضحايا الأبرياء.

غالشعب اللبناني انتخب نوابه، وبدورهم منحوا الثقة للحكومة على أساس بيان وزاري تعهّد صون السيادة والدفاع عن لبنان، لكنّ الحكومة نكثت وعودها، ولم تحرّك ساكنًا بينما يسقط الشهداء يومًا بعد يوم. إن هذه الحكومة فقدت شرعيتها الوطنية والأخلاقية، ولا بد من سحب الثقة منها فورًا، لأنها تحوّلت إلى شاهد زور على العدوان بدل أن تكون صوت لبنان في المحافل الدولية.

في المقابل، بعد عدوان ال 33 يوما في شهر آبا من العام 2006 طلبت أمريكا بالنيابة عن إسرائيل ترتيب وقف إطلاق نار عاجل مع المقاومة؛ وتولت المقاومة التفاوض عبر الوسيط القطري؛ فتدخل مجلس الأمن آخذًا بعين الإعتبار شرطي المقاومة بإيقاف العدوان والإنسحاب الفوري حتى الحدود الدولية لإنقاذ إسرائيل من عدم قدرة الجيش على مواصلة العدوان. فأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 1701، المتخذ بالإجماع في 11 آب/أغسطس، وهو الذي ألزم العدو بالانسحاب في عتمة ليلة واحدة، وحافظ على السيادة اللبنانية طوال 18 عامًا. هذا الفارق بين من دافع عن الوطن بالسلاح والسيادة، ومن استسلم للإملاءات الخارجية بالصمت واللاموقف، يُعبّر بوضوح عن جوهر الأزمة اللبنانية اليوم: حكومة لا ترى في العدوان خطرًا، بل تعليمات تنتظر تنفيذها عبر "طلبات" أمريكية.

وإنَّ غدًا لناظره قريب

08 تشرين الأول/أكتوبر 2025