تستعد وكالة الفضاء الأمريكية ناسا لإطلاق مرحلة جديدة من استكشاف القمر ضمن مهمة أرتميس 2 في العام المقبل، حيث سيحمل الطاقم معهم تجارب علمية غير مسبوقة تهدف إلى دراسة صحة الإنسان في الفضاء .
من بين هذه التجارب مشروع مبتكر يُعرف باسم AVATAR، والذي يقوم على زرع عينات من أنسجة رواد الفضاء أنفسهم على رقائق إلكترونية صغيرة، لتتعرض لنفس الظروف القاسية التي يواجهها البشر في الفضاء.
مشروع AVATAR: رائد فضاء افتراضي بحجم شريحة USB
يحمل مشروع AVATAR، وهو اختصار لعبارة A Virtual Astronaut Tissue Analog Response، فكرة ثورية تقوم على تطوير ما يُعرف بـ"عضو على رقاقة" — أي نموذج مصغّر لأنظمة الجسم البشري يمكن مراقبته مباشرة في بيئة الفضاء.
وستحتوي هذه الرقاقات على خلايا وأنسجة مأخوذة من كل رائد فضاء على متن المركبة أوريون، بحيث يصبح لدى كل رائد "نسخة حيوية مصغّرة" منه تسافر معه.
توضح ليزا كارنيل، مديرة قسم العلوم البيولوجية والفيزيائية في ناسا: "لكل رائد فضاء في أرتميس 2، سننشئ نموذجا مصغرا من نخاع عظمه. بهذه الطريقة، سيكون لكل منهم أفاتار خاص يرافقه في الرحلة."
أهداف المشروع: فهم أعمق لتأثير الفضاء على الجسم البشري
من خلال مقارنة استجابة خلايا الرقائق الحيوية بتفاعلات أجسام الرواد الحقيقية، سيتمكن العلماء من فهم التأثيرات الجزيئية للفضاء، مثل الإشعاع الكوني وفقدان الجاذبية والعزلة الطويلة.
هذه النتائج ستساعد على تطوير إجراءات وقائية قبل إرسال بعثات بشرية طويلة الأمد إلى القمر والمريخ وما بعدهما.
ويضيف ستيف بلاتس، كبير العلماء في برنامج أبحاث الإنسان التابع لناسا:
"نريد أن نعرف كيف تؤثر بيئة الفضاء على وظائف الجسم بدقة. كل ما نكتشفه هنا سيحمي مستقبل بعثاتنا المأهولة."
مخاطر الفضاء على الإنسان
تحدّد ناسا خمسة مخاطر رئيسية تواجه البشر في الفضاء:
1. الإشعاعات الفضائية.
2. العزلة والانقطاع عن الدعم.
3. انعدام الجاذبية.
4. البيئة المغلقة والصاخبة.
5. البعد عن الرعاية الطبية الفورية.
وقد أثبتت التجارب السابقة أن انعدام الجاذبية لفترات طويلة يسبب فقدانًا في كثافة العظام، وتغيّرات في الرؤية، وضعفا في القلب، بل وحتى اضطرابات في الأداء الجنسي.
خطوة نحو الطب الشخصي على الأرض
تأمل ناسا أن تؤدي هذه الأبحاث إلى ثورة في الطب الشخصي على كوكب الأرض أيضا، فالتقنيات المستخدمة لإنشاء "الأعضاء على رقائق" قد تفتح الباب أمام تطوير علاجات مخصصة لكل مريض، عبر اختبار الأدوية على أنسجة مأخوذة منه مباشرة.
تقول كارنيل: "أعتقد أن هذه التكنولوجيا ستُحدث ثورة في عالم الطب. تخيّل أن يكون لكل شخص أفاتاره الطبي الخاص الذي يُستخدم لاختبار الأدوية والعلاجات قبل تجربتها فعليا."
نحو فهم أعمق للحياة في الفضاء
تتطلع ناسا إلى أن تحمل بعثات أرتميس المستقبلية مجموعات أكبر من رقائق AVATAR، تشمل أنسجة من القلب والكبد والدماغ. وستكون هذه التجارب بمثابة استطلاع بيولوجي استباقي يسبق أي مهمة مأهولة إلى الفضاء العميق.
فكما تقول كارنيل: "إذا أردنا أن يعيش الإنسان على سطح القمر أو يسافر إلى المريخ، يجب أن نفهم تمامًا كيف يتفاعل جسده هناك — قبل أن نخطو الخطوة الأولى."
مشروع AVATAR ليس مجرد إنجاز علمي لناسا، بل هو قفزة في فهم الحياة خارج الأرض، وفرصة لإعادة تعريف الطب البشري. فربما يأتي اليوم الذي يمتلك فيه كل منا "نسخة رقمية حيوية" منه — لا لتسافر إلى النجوم، بل لتحافظ على صحته هنا على الأرض.