ترامب في الكنيست: جنون العظمة ونرجسية الحرب في خدمة الإبادة التوراتية
مقالات
ترامب في الكنيست: جنون العظمة ونرجسية الحرب في خدمة الإبادة التوراتية
عدنان علامه
13 تشرين الأول 2025 , 18:27 م


عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

في خطاب يمكن وصفه بأنه إعلان رسمي لتحالف الجريمة، ألقى ترامب خطابًا ناريًا في الكنيست الإسرائيلي، مزج فيه بين جنون العظمة واضطراب النرجسية، وبين تبرير الإبادة الجماعية وازدراء القانون الدولي.

لم يكن الخطاب مجرد دعم سياسي لإسرائيل، بل تبنّيًا صريحًا لجرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة ولبنان وإيران باستخدام الأسلحة الأمريكية؛ وقد بدا ترامب وكأنه يتحدث بصفته القائد الأعلى لتحالف توراتي ــ نازي جديد، يضع القوة فوق القانون، ويشرعن المجازر تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”.

#تحدي القانون الدولي عبر تزويد إسرائيل بالأسلحة بعد إدانة نتنياهو

وفي لحظة فاضحة من تحدي العدالة الدولية، أعلن ترامب استمرار تزويد إسرائيل بالأسلحة رغم إدانة المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو كمجرم حرب

في 21 نوفمبر 2024.

فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدوليةوبعد إجراء تحقيق حول جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى هما بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت وزير الاحتلال الإسرائيلي السابق، بتهم ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كوسيلة حرب، بالإضافة إلى جرائم ضد الإنسانية منها القتل العمد والاضطهاد وأفعال لاإنسانية أخرى خلال الحرب الفلسطينية الإسرائيلية. وكانت مذكرة التوقيف ضد نتنياهو هي الأولى التي تُصدر بحق رئيس حكومة لحليف رئيسي في العالم الغربي.

وقد تجاهل ترامب علنًا كل القرارات الأممية التي تحظر تسليح الأنظمة المتورطة بجرائم إبادة، وأكد أن “أمن إسرائيل من أمن أمريكا”، في إعادة إنتاج لخطاب الهيمنة الذي يربط المصالح الأمريكية بدماء الشعوب المقهورة.

إن هذا الإصرار على تسليح الكيان الصهيوني بعد ثبوت ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، يُعد خرقًا مباشرًا للمادة (6) من معاهدة تجارة الأسلحة لعام 2014، التي تمنع نقل الأسلحة عندما يكون هناك خطر كبير من استخدامها في جرائم إبادة أو انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.

#صواريخ الموت الأمريكية: MK84 وGBU في خدمة الإبادة

وأشاد ترامب علنًا بفعالية الصواريخ والقنابل الأمريكية في تدمير غزة، متفاخرًا بالدقة التدميرية لصواريخ MK84 وقنابل GBU-31 وGBU-82 ذات القدرة الانفجارية الهائلة.

وهذه الأسلحة، التي تُستخدم عادة لتدمير التحصينات العسكرية، صارت في غزة أدوات لإبادة المدنيين. وبحسب تقديرات ميدانية، أسفرت الغارات الأمريكية ــ الإسرائيلية المشتركة عن سقوط ما يزيد على 250.000 إنسان بين شهيد ومصاب ومفقود خلال عامين، وتدمير أكثر من 85% من الأبنية والمنشآت المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ودور العبادة والأفران وآبار المياه والبنى التحتية الأساسية.

وفي الوقت الذي يشترط فيه الكونغرس الأمريكي أن تُستخدم الأسلحة المصدَّرة فقط في “الدفاع عن النفس”؛ كان ترامب يفاخر في الكنيست بأن “القنابل الأمريكية أثبتت أنها الأكثر دقة وفتكًا في التاريخ الحديث”، وهو ما يمثل اعترافًا رسميًا بمشاركة واشنطن المباشرة في جرائم الإبادة الجماعية.

#التفاخر بالعدوان على إيران: “عملية مطرقة منتصف الليل”

لم يكتفِ ترامب بتأييد العدوان الإسرائيلي على غزة، بل تفاخر بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية الذي حمل اسم “مطرقة منتصف الليل”، والذي أدى إلى اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين البارزين. وقد اعترف في خطابه بأن العملية نُفذت “بالتنسيق الاستخباري الكامل بين إسرائيل والولايات المتحدة”.

وقد أمر ترامب بتنفيذ العدوان دون أي تفويض من مجلس الأمن أو أي جهة أممية، مما يُشكل خرقًا صارخًا للمادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة.

وأخطر ما في هذا الاعتراف أنه يُشرعن الإرهاب الدولي ويحوّله إلى سياسة رسمية، إذ يجعل من الاغتيال والتدمير أسلوبًا لحفظ "الأمن القومي الأمريكي" حسب إعتقاد ترامب.

وقد تحدّث ترامب بلهجة المنتصر الذي يرى نفسه فوق القانون، متباهياً بأنه “أوقف المشروع النووي الإيراني دون حرب شاملة”، بينما الحقيقة أن ما حدث كان عدوانًا مدبّرًا ضد دولة ذات سيادة، إرتُكِبَ خارج كل الأطر القانونية والدبلوماسية.

#التهديد غير المباشر لبقية الدول: سياسة الابتزاز بالقوة

من بين سطور الخطاب، ظهرت ملامح التهديد غير المباشر لبقية دول المنطقة والعالم. فقد قال ترامب بصراحة: “من يقف ضد إسرائيل سيجد نفسه في مواجهة قوة لم يشهدها من قبل”، في إشارة واضحة إلى استخدام الترسانة الأمريكية كأداة ابتزاز سياسي. هذه العبارة، الممزوجة بغرور نرجسي واضح، تعكس ذهنية الرجل الذي يرى العالم من منظار الصفقات والعقوبات، لا من منظار العدالة والحقوق. فهو لا يعترف بحدود ولا بسيادة أحد، بل يعتقد أن أمريكا ــ في ظل قيادته ــ هي الحكم والجلاد معًا.

#تصفيق الكنيست: مشهد الانحطاط الأخلاقي

لم يكن صادمًا أن يقابل أعضاء الكنيست هذا الخطاب بالتصفيق الحاد. فالتصفيق هنا لم يكن تعبيرًا عن إعجاب سياسي، بل عن انخراط جماعي في ثقافة تمجيد الجريمة. فقد تحوّل البرلمان الإسرائيلي، في تلك اللحظة، إلى منصة لتطبيع الإبادة، حيث اختلطت لغة الدين بالعنصرية ولغة الأمن بالإرهاب. ومما يزيد فداحة المشهد أن ترامب لم يكن ضيفًا عاديًا، بل شريكًا في كل قنبلة سقطت على أطفال غزة وكل صاروخ اخترق سماء أصفهان وطهران ولبنان.

#تحليل البعد النفسي والسياسي للخطاب

يتجلّى في خطاب ترامب مزيج من اضطراب النرجسية وجنون العظمة، وهما سمتان مترابطتان في شخصيته السياسية. فهو يرى نفسه المخلّص الذي يعيد رسم العالم وفق مشيئته، ويُحوّل المأساة إلى استعراض للقوة. لقد تعمّد استخدام مفردات مثل "النصر الإلهي" ، "الردع المطلق" ، و"الهيمنة الأمريكية العادلة"، ليضفي على جرائمه هالة دينية وسياسية في آن واحد. هذه اللغة تعبّر عن ذهنية زعيم يعيش في فقاعة من الوهم الذاتي، غير مدرك أن أفعاله تُقوّض النظام الدولي وتدفع بالعالم نحو فوضى شاملة.

فالخطاب لم يكن سياسيًا بقدر ما كان بيانًا أيديولوجيًا يكرّس التفوق العرقي ويمنح إسرائيل تفويضًا مفتوحًا بالقتل، متجاوزًا كل الحدود التي رسمها القانون الدولي الإنساني.

إن خطاب ترامب في الكنيست لا يُعدّ مجرّد انحراف سياسي، بل جريمة أخلاقية وقانونية مكتملة الأركان، لأنه تضمن اعترافًا وتباهيًا بارتكاب جرائم تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

فقد خرق ترامب ونتنياهو، مجتمعين، معظم القوانين والاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها:

1- ميثاق الأمم المتحدة (1945) – المواد (2) و(51) التي تحظر العدوان والقتل خارج إطار الدفاع الشرعي.

2- اتفاقيات جنيف الأربع (1949) – خصوصًا المواد المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.

3- البروتوكول الإضافي الأول (1977) – الذي يجرّم استهداف المنشآت المدنية والمرافق الطبية والدينية.

4- معاهدة تجارة الأسلحة (2014) – التي تمنع تصدير السلاح في حال وجود خطر استخدامه في الإبادة أو جرائم الحرب.

5- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) – الذي يُجرّم التحريض والمشاركة أو التواطؤ في أعمال الإبادة.

6- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) – الذي يكفل الحق في الحياة والكرامة وعدم التعذيب.

وقد تجاوز ترامب ونتنياهو كل هذه المرجعيات ليؤسسا لمرحلة جديدة من العدمية القانونية، حيث يتحول المجرم إلى بطل، والمحتل إلى ضحية، والدم إلى وسيلة لتثبيت النفوذ. إنها رسالة خطيرة للعالم بأن التحالف الأمريكي ــ الإسرائيلي بات يضع نفسه فوق القانون، ويستهزئ بكل ما تبقّى من قيم العدالة الدولية.

وخلاصة القول؛ فإنَّ خطاب ترامب في الكنيست لم يكن خطاب دولة، بل خطاب زعيم مهووس بالهيمنة، يرى في الحرب وسيلة للبطولة وفي الدم طريقًا للمجد. لقد كشف بوضوح عن تحوّل الولايات المتحدة، في ظل قيادته، من راعية “الديمقراطية” إلى راعية الإبادة. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف هذا الانحراف الأخلاقي، فإن العالم سيستيقظ على واقع جديد: قنابل تُبارك باسم الرب، وجيوش تقتل باسم “الحرية الأمريكية”.

وإنَّ غدًا لناظره قريب

13 تشرين الأول/ أكتوبر 2025