في توقيت دقيق من التحولات الإقليمية والداخلية، قام رئيس المرحة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع بزيارة رسمية إلى موسكو، حملت في طياتها أبعادا تتجاوز العلاقات الثنائية لتدخل في عمق التفاهمات الدولية حول مستقبل سوريا واستقرار شرق المتوسط.
زيارة ما بعد التحوّل
جاءت الزيارة في لحظة انتقالية تشهدها سوريا مع الحديث عن رغبة دولية تحث دمشق على تنفيذ حزمة من الإصلاحات السياسية والإدارية تشمل إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتنظيم الجيش وعودة بعض الضباط، تمهيدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة تقوم على اللامركزية الإدارية (شكل الدولة) .
والشرع سبق وأن لمح لهذه المرحلة ووصفها بأنها “إعادة بناء الدولة على أسس حديثة وشاملة”، في إشارة إلى توجه جديد نحو دولة مؤسسات لا دولة مراكز قوى.
ومن الواضح أن دمشق تسعى عبر هذه الزيارة إلى إعادة صياغة علاقتها مع موسكو على قاعدة التكافؤ لا التبعية، في ظل متغيرات متسارعة في الإقليم وموازين القوى.
تركيا ومناخ الزيارة
التحركات التركية شكّلت خلفية أساسية للزيارة. فقد عملت أنقرة على الدفع بهذه العلاقة قبل مدة لتهيئة المناخ السياسي والإقليمي لإنجاحها، في محاولة لكبح التمدد الإسرائيلي شمالًا وجنوباَ وفي البحر، وفضّ الاشتباك التركي–الإسرائيلي الذي انخفض مؤخرا بفعل هذا التفاعل الروسي–الإسرائيلي.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن هذا التنسيق جرى بمباركة أميركية غير مباشرة ، بعد تسلّم الأدميرال براد كوبر الإشراف على الملف السوري ضمن ترتيبات القيادة المركزية الأميركية لإعادة هيكلة المشهد الإقليمي، بما يضمن استقرار سوريا ويمنع أي توترات مفاجئة.
موسكو محور التهدئة وضبط الإيقاع
خلال لقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الروس، ناقش الشرع ملفات متعددة، أبرزها:
تنظيم الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري وحدوده القانونية والسياسية.
مراقبة أي تحركات سياسية أو أمنية قد تنشأ من رموز النظام السابق المقيمين في موسكو.
التنسيق حول الملفات الحساسة مثل القضية الكردية وشرق الفرات والجنوب السوري .
توسيع التعاون الاقتصادي وإطلاق مرحلة جديدة من إعادة صياغة هذه العلاقة وفق رؤية سورية أكثر استقلالية وتعددية في الشركاء.
والإستثمارات الروسية في مجالات الطاقة النفط والغاز خاصة في البحر المتوسط قبالة الشواطىء السورية
رسائل الزيارة الإقليمية
حملت الزيارة رسائل سياسية واضحة لعدد من الأطراف:
1. إلى موسكو: تمسك دمشق بالشراكة الاستراتيجية، مع رغبة في علاقة متوازنة تحفظ السيادة والمصالح المشتركة.
2. إلى واشنطن وأنقرة: استعداد سوريا الجديدة للانخراط في تفاهمات إقليمية تضمن الاستقرار وتُنهي منطق الصراع بالوكالة.
3. إلى الداخل السوري: تأكيد أن الإصلاح بدأ فعليا، وأن الدولة تتجه نحو نموذج أكثر شمولا وواقعية.
النتائج الأولية والتقديرات
تشير المعطيات الأولية إلى نجاح الزيارة في تحقيق تفاهمات أساسية، أبرزها:
استمرار الوجود العسكري الروسي ضمن إطار قانوني محدد ومتفق عليه.
تشكيل لجنة سورية–روسية لمتابعة الملفات الاقتصادية والسياسية.
تفاهم أولي حول تنسيق المواقف في الملف الكردي وشرق الفرات والجنوب.
دعم روسي واضح لمسار الإصلاحات وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
خلاصة يمكن القول إن زيارة أحمد الشرع إلى موسكو مثّلت محطة مفصلية في مسار العلاقات السورية–الروسية، وخطوة أساسية لترسيخ موقع دمشق في خريطة التوازنات الجديدة.
فهي زيارة جاءت في إطار تنسيق تركي–روسي–أميركي غير معلن، لتؤكد أن المرحلة المقبلة اذا حصلت الإصلاحات ستكون مرحلة إدارة استقرار لا إدارة صراع.