الكشف عن العلاقة بين سلوك الأطفال وصحة الوالدين
دراسات و أبحاث
الكشف عن العلاقة بين سلوك الأطفال وصحة الوالدين
22 تشرين الأول 2025 , 12:33 م

يعلم جميع الآباء أن تربية الأطفال ليست مهمة سهلة، فهي رغم ما تحمله من حب وسعادة وإنجاز، إلا أنها ترافقها تحديات عاطفية ومالية وزوجية يمكن أن تترك أثرا عميقا على الأسرة.

وتزداد هذه التحديات صعوبة عندما يكون الطفل مصابا بمشكلات سلوكية، مثل العدوانية أو التحدي أو فرط النشاط.

دراسة علمية تكشف العلاقة بين سلوك الأطفال وصحة الوالدين

أجرى باحثون من جامعة كونكورديا دراسة شاملة أظهرت أن هذه الضغوط الأسرية ترتبط بانخفاض قدرة الوالدين على ضبط النفس والتنظيم الذاتي، وأن الآباء هم الفئة الأكثر تأثرا، خصوصا عندما يترافق سلوك الطفل الصعب مع توتر في العلاقة الزوجية.

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة International Journal of Psychophysiology، حيث شارك فيها 80 زوجا وزوجة من الأزواج المغايرين المقيمين مع أطفالهم في مرحلة ما قبل المدرسة.

كيف أجريت الدراسة؟

خضع المشاركون لجلسات مخبرية تم خلالها تزويدهم بأجهزة تخطيط كهربية القلب (ECG) لقياس نشاط القلب، كما ملأ الآباء استبيانات لتقييم المشكلات السلوكية لدى أطفالهم ومدى تأثيرها على علاقاتهم الزوجية.

وطُلب منهم أيضا الاحتفاظ بـ مذكرات يومية عن التفاعلات الزوجية السلبية لمدة ستة أيام، لتقييم مدى توتر العلاقة ومدى انعكاس ذلك على حالتهم الجسدية والنفسية.

ماذا يعني انخفاض تذبذب معدل ضربات القلب (HRV)؟

ركز الباحثون على ما يُعرف بـ تذبذب معدل ضربات القلب عالية التردد (High-Frequency Heart Rate Variability)، وهي اختلافات طفيفة في الفواصل الزمنية بين نبضات القلب.

ورغم أن البعض يظن أن انتظام ضربات القلب دليل على الصحة، إلا أن هذه التقلبات الطفيفة في الواقع مؤشر إيجابي على قدرة الجسم على الاستجابة السريعة للتحديات والتوترات.

يُعد الجهاز العصبي اللاودي (parasympathetic system) هو المسؤول عن هذه التغيرات، إذ ينشط في حالات الراحة والهضم، ويعمل كموازن للجهاز العصبي الودي الذي يفعّل استجابة “القتال أو الهروب”.

الآباء أكثر تأثرا بالتوتر الأسري

أظهرت الدراسة أن الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال يعانون من مشكلات سلوكية، مثل العدوانية أو العصيان أو فرط النشاط، لديهم انخفاض في تذبذب معدل ضربات القلب، ما يشير إلى ضعف في القدرة على الهدوء والتفاعل الإيجابي تحت الضغط.

لكن اللافت أن التأثير كان أشد وضوحا لدى الآباء عندما كانت العلاقات الزوجية متوترة. فعندما أبلغت الزوجات عن مستويات أعلى من الضغط في العلاقة، كان الانخفاض في معدل HRV لدى الأزواج أكبر بكثير.

توضح الباحثة ساشا ماكنيل، الحاصلة على دكتوراه من جامعة كونكورديا وزميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة مكغيل: “يشير ذلك إلى أن الآباء الذين لديهم أطفال يعانون من مشكلات سلوكية، ويعيشون في علاقات زوجية مضغوطة، يكونون أكثر عرضة لفقدان القدرة على التنظيم الذاتي والتعامل مع الضغوط بمرونة.”

أما الأمهات، فقد ظهر ارتباط بين انخفاض HRV وسلوك الطفل، لكن دون أن يتفاقم بسبب التوتر الزوجي.

أهمية دعم الأسرة كوحدة متكاملة

تؤكد نتائج الدراسة ضرورة النظر إلى الأسرة كوحدة متكاملة عند دراسة الصحة النفسية للآباء والأمهات.

وتختم ماكنيل بقولها: “من الضروري أن نفكر في كيفية دعم الآباء والأمهات في تعاملهم مع بعضهم البعض خلال هذه المرحلة الحساسة. فالأب على وجه الخصوص قد لا يملك شبكة دعم اجتماعية واسعة يمكن أن تساعده على التعامل مع الضغوط النفسية.”

تُبرز هذه الدراسة العلاقة الوثيقة بين سلوك الأطفال وصحة الوالدين النفسية والبدنية، وتؤكد أن التوتر الأسري يمكن أن يؤثر على وظائف القلب وتنظيم المشاعر، خصوصا لدى الآباء الذين يعانون من ضغط مزدوج بين السلوكيات الصعبة للأطفال والخلافات الزوجية.

المصدر: The GIST