روبوت جديد لحقن دقيقة للضمور البقعي في العين في أقل من خمس دقائق
علوم و تكنولوجيا
روبوت جديد لحقن دقيقة للضمور البقعي في العين في أقل من خمس دقائق
23 تشرين الأول 2025 , 15:23 م

تمكن فريق بحثي من الجامعة التقنية في ميونيخ (TUM) بقيادة الأستاذ محمد علي ناصري من تطوير روبوت جراحي فائق الدقة لعلاج الضمور البقعي المرتبط بالعمر (AMD)، وهو أحد أكثر أسباب العمى انتشارًا بين كبار السن.

يستطيع هذا الروبوت إجراء حقن دقيقة في شبكية العين ، التي لا يتجاوز سمكها 200 ميكرومتر، بدقة مذهلة تصل إلى 15 ميكرومترا فقط، مع زمن إعداد لا يتجاوز خمس دقائق — مقارنة بما يزيد عن ساعة في العمليات الجراحية التقليدية التي تعتمد على الروبوت.

الضمور البقعي: أحد الأسباب الرئيسة للعمى في العالم

يعاني نحو 200 مليون شخص حول العالم من مرض الضمور البقعي المرتبط بالعمر، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 280 مليونا بحلول عام 2040.

ويُعد الأشخاص فوق سن الستين الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، الذي يتسبب في فقدان البصر لدى واحد من كل عشرة مصابين تقريبا.

عادةً ما يتلقى المرضى حقنا علاجية مباشرة في العين تحتوي على أدوية تثبط عامل نمو يسبب تكاثر الأوعية الدموية غير الطبيعية في الشبكية، وهو ما يؤدي تدريجيا إلى العمى.

ويهدف الروبوت الجديد إلى تنفيذ هذه الحقن بدقة عالية وآمان فائق دون الاعتماد الكامل على يد الجراح البشرية.

خمس دقائق فقط للإعداد الكامل قبل العملية

يقول الأستاذ ناصري، الباحث في قسم الجراحة الدقيقة والذكاء الطبي في جامعة ميونيخ التقنية وعضو معهد ميونيخ للروبوتات والذكاء الآلي (TUM MIRMI)، إن فريقه نجح في تصميم منصة روبوتية متنقلة مزودة بذراع آلي شديد الحساسية وأجهزة استشعار ذكية تقوم بتحديد موقع العين والقزحية تلقائيا.

يقول البروفيسور ناصري: “قمنا بتدريب الشبكات العصبية للروبوت بحيث يتمكن من الوصول إلى الوضعية المثالية للجراحة في أقل من خمس دقائق فقط”، موضحا أن الإعداد المعتاد للعمليات الجراحية المعتمدة على الروبوت كان يستغرق ساعة كاملة في السابق.

دقة متناهية تصل إلى 15 ميكرومتر

يعمل النظام الجديد وفق ثلاث مراحل دقيقة:

1. تموضع المنصة المتنقلة بجانب سرير المريض بدقة السنتيمتر.

2. تحديد موضع الأدوات الجراحية فوق العين بدقة المليمتر.

3. تنفيذ العملية داخل شبكية العين بدقة الميكرومتر.

يقول ناصري إن التحدي الأكبر كان تحقيق المرحلة الثالثة، إذ تتطلب التحكم في الإبرة الجراحية بدقة متناهية، بالتعاون مع شركة يابانية متخصصة في تصنيع الأنظمة الميكانيكية الدقيقة.

ويضيف: "الإبرة الجراحية تستطيع حقن الدواء داخل الشبكية بدقة تبلغ 15 ميكرومترا، أي أدق من شعرة الإنسان بعشر مرات تقريبا."

التعامل مع حركة العين أثناء الجراحة

حتى مع التخدير، قد تتحرك العين بشكل طفيف أثناء العملية، وهو ما يشكل تحديا كبيرا.

لذلك، يستخدم الباحثون جهاز التصوير المقطعي البصري (OCT)، الذي يقوم بالتصوير المستمر للشبكية لمراقبة أدق الحركات.

ولمحاكاة هذه الحركات في التجارب، صمم الفريق عينًا صناعية تتحرك بنمط جيبي، وتمكن الروبوت من مجاراة هذه الحركات لمدة دقيقة كاملة، ليُحقن الدواء بانحراف لا يتجاوز 25 ميكرومترا فقط (0.025 ملم) — وهي دقة مقبولة تماما في هذا النوع من العمليات الدقيقة.

تعاون علمي لتقليل المضاعفات وتحسين نتائج العلاج

ساهمت عيادة جامعة ميونيخ التقنية للعيون بشكل رئيسي في تطوير هذا الروبوت، ويؤكد مدير قسم طب العيون البروفيسور بيتر شاربيل عيسى أن هذه التقنية ستقلل من مضاعفات مثل الالتهابات والنزيف التي قد تحدث أثناء الحقن اليدوي.

ويضيف أن القدرة على التحكم المجهري في موقع الحقن ستضمن وصول الدواء بدقة إلى المنطقة المصابة فقط، مما يزيد من فعالية العلاج ويقلل الجرعة المطلوبة.

تجارب على العيون الحيوانية ثم البشرية

نُشرت نتائج البحث في مجلة IEEE Access، وعُرضت ضمن المؤتمر الدولي لروبوتات الطب لعام 2025 (ISMR 2025).

ويخطط الفريق لاختبار النظام أولا على عيون خنازير نافقة نظرا لتشابهها التشريحي مع العين البشرية.

ومن المتوقع أن تبدأ التجارب على الحيوانات الحية في أوائل عام 2026، تليها التجارب السريرية على البشر خلال السنوات القليلة القادمة

نحو مستقبل من الجراحات الدقيقة ذاتية التحكم

يمثل هذا الابتكار قفزة نوعية في مجال الروبوتات الطبية وجراحات العيون الدقيقة، ويؤكد أن المستقبل يتجه نحو أنظمة ذاتية التحكم عالية الذكاء يمكنها إجراء العمليات الحساسة بأمان ودقة تفوق قدرة الإنسان، وبتكلفة زمنية أقل بكثير.

المصدر: مجلة IEEE Access