كتب الأستاذ حليم خاتون:
لم يكن استهداف القادة في محور المقاومة شيئا جديدا ظهر فقط في حرب طوفان الأقصى...
هي نظرية قديمة قِدَم الصراعات والحروب...
هي لا تجري تلقائيا في كل الحروب والساحات، بل حسب الظروف؛ وحسب الحضارات، والعقليات القتالية لهذه الحضارات، وطبعا حسب مبدأ القوة والإرادة...
من هنا الحديث عن رأس الأفعى؛ عن رأس التنين؛ عن تنين متعدد الرؤوس؛ عن الأخطبوط وأذرع الأخطبوط...
في نهاية الحرب العالمية الثانية لم تقم أميركا باستهداف الإمبراطور الياباني هيرو هيتو لإجبار هذا البلد على الاستسلام لأن العقلية القتالية اليابانية التي تقوم على الشرف والشجاعه والانضباط العسكري الذي ميّز ثقافة الساموراي الياباني كانت سوف تؤدي في حال اغتيال الإمبراطور الذي يعتبر في منزلة إله الشمس، إلى حرب بلا أسقف، وبلا نهاية؛ حيث سوف يقوم كل أفراد هذا الشعب بالقتال حتى الموت بشرف من اجل الوطن...
الوحيد القادر على إنهاء هذه الحرب وتوقيع صك الاستسلام دون اعتراض من الشعب الياباني هو الإمبراطور نفسه؛ لذلك حرص الاميركيون على إلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي وليس على القصر الإمبراطوري...
هذا وحده كان كفيلا بإجبار الإمبراطور على الاستسلام...
الإمبراطور وحده قادر على إيقاف حرب الإبادة النووية عن الشعب الياباني عبر الاستسلام دون مزايدة او اعتراض من أي كان؛ لذلك قام كل ضابط لا يوافق على قرار الإمبراطور بطعن نفسه حتى الموت على طريقة "الهاري كاري" ليحافظ على الشرف لأنه لا يستطيع معارضة الإمبراطور الإله...
لكن الوضع يختلف عند شعوب أخرى...
رغم كل الكلام عن الشرف والكرامة والمروءة عند العرب؛ تبين أن هذه عملة نادرة جدا جدا ليس فقط عند القادة العرب؛ بل يمتد هذا إلى معظم الشعوب العربية إلى درجة أن العالم انتفض لأجل غزة بينما لا تزال الشعوب العربية نائمة حتى اليوم، ولا تزال أغلبية الشعب الفلسطيني في الضفة ومخيمات الشتات تعيش في الذل راضية مرضية إلا في حالات نادرة جدا من البطولات الفردية...
لم يطعن محمود عباس او نواف سلام وأمثالهم انفسهم؛ كم كانت ارتاحت الأمة لو هم فعلوا ذلك!
إغتيال جمال عبد الناصر بالسم في مصر حوّل هذا البلد من بلد ذي كرامة وعنفوان إلى جمهورية موز...
اغتيال الملك فيصل رغم إنه لم يكن بهذه العظمة، أدّب كل سلالة بني سعود، وكل ملوك وامراء ورؤساء العرب والمسلمين...
اغتيال السيد حسن نصرالله في لبنان أدى إلى إتفاق وقف للنار فيه من العيوب ما لا نزال نعيش ذيوله حتى إثبات العكس...
لطالما ردد نتنياهو تشبيه إيران برأس الأفعى...
جمعت أميركا وإسرائيل في حرب طوفان الأقصى عدة استراتيجيات:
قطع أذرع الأخطبوط...
قطع رأس الأفعى...
قطع رؤوس التنين...
تبنت أميركا مبدأ اغتيال القادة عند الحضارات الشرقية؛ وكذلك فعلت إسرائيل...
اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس فتح الطريق أمام اغتيال محور المقاومة؛ خاصة حين اعتمدت طهران والحشد الشعبي في العراق ردودا رمزية لا ترقى الى فداحة ما ارتكب...
اغتيال غسان كنفاني؛ الدكتور وديع حداد، ابو حسن سلامي، أبو جهاد... تطول القائمة...
لتصل حتى إلى أبو عمار الذي شكل رمزا ما للشعب الفلسطيني رغم كل المصائب التي وقع فيها، وأوقع فيها هذا الشعب...
لكن أميركا التي ورثت الخبث البريطاني درست تاريخ العرب جيدا...
تاريخ الجاهلية كما تاريخ الحقب الإسلامية من عهد خلفاء الشورى إلى الحقبة الأموية، ثم العباسيين...
درست حضارة بلاد الأندلس وتوصلت إلى الوصفة السحرية لديمومة عصر الإنحطاط في أمة كانت يوما ما عظيمة إلى أن نخر الدود نخاعها الشوكي واستقر في رأسها...
تقول اسطورة التنين إن قطع الرأس لا يعني موت التنين تلقائيا...
كلما قطعت أميركا رأسا، ينبت مكانه رأس آخر...
هكذا مع إسرائيل...
صحيح ان شارون تدخل في عمل عزرائيل واستعجل اغتيال أبو عمار...
ربما فرح شارون ومن جاء بعده باستبدال أبو عمار بمحمود عباس الذي باع القضية بالكامل والذي تسبب بمآسي لا تُحصى للشعب الفلسطيني...
لكن الصحيح الذي أغفله شارون هو أن محمود عباس لا يملك أي كاريزما تتيح له بيع القضية دون مساءلة!
الحال مع أبو عمار كان ليكون مختلفا...
خطأ شارون إنه لم يفهم ما فعله الاميركيون مع اليابان...
أزال شارون أبو عمار على اساس أنه الرأس، ووضع مكانه رأسا فصّله توني بلير هو محمود عباس وشلته...
هكذا، كلما قطعوا رأسا ينبت رأس جديد حتى وصلنا إلى يحي السنوار...
لم يفهم نتنياهو خطأ شارون!...
هو قام باغتيال السيد نصرالله والسيد صفي الدين بعد التأكد أن اختفاءهما سوف يترك حزب الله والمحور في ضباب كثيف...
في الحقيقة هذا ما حدث...
سقوط السيد سهّل كثيرا سقوط الدولة السورية...
يمكن القول حتى أن سقوط السيد نصرالله أعاق كثيرا عملية إعادة البناء الجارية الآن داخل حزب الله...
لكن ما لم يفهمه نتنياهو ولا فهمه الاميركيون هو أن اغتيال السيد نصرالله قضى من حيث لا يدري الإسرائيلي على "العقلانية" التي ترفض هدم الهيكل على رؤوس الجميع...
أذا كانت أميركا وإسرائيل قد اتبعتا مبدأ القضاء على القيادات فإن الأمر نفسه يمكن أن يحصل بالاتجاه المعاكس...
السؤال هو لماذا لم يفكر المحور باغتيالات تطال قادة محور الشر الأميركي الإسرائيلي؟
ببساطة لأن هناك نوع من البراغماتية في التعامل مع النظام العالمي القائم...
الدكتور وديع حداد فهم الأمر جيدا...
لا مجال للعيش في هكذا نظام دون الرد على إرهاب الشرعية الدولية عبر عنف ثوري يؤدي إلى تدمير هذه الشرعية المزعومة...
هذا ما فهمه ارنستو تشي غيفارا يوم ترك الوزارة في كوبا وقرر نشر الثورة في كل مكان بدءا بافريقيا واميركا اللاتينية ليصل إلى باقي القارات...
محور المقاومة الذي يعيش هذه الأيام العصيبة لا يزال يمتلك سلاحا فتاكا قادرا على قلب الطاولة على رؤوس الجميع...
لماذا لا يفعل!
سوف نصل يوما إلى ما وصلت إليه غزة بعد عشرات السنين من الحصار والقتل والذل...
الرد على العنف يجب أن يكون عنفا أقوى...
أسأل نفسي،
لماذا نسمح لبضعة آلاف او عشرات الآلاف من الكلاب بأن يعبثوا بحياتنا...
لماذا نقبل أن نكون الضحية التي تبكي دائما...
أين ذهبت روح الثورة...
عندما تتصل بك صديقة لتقول لك بألم إنها سوف تترك بيتها في الضاحية لأنها لم تعد تحتمل العيش في الرعب؛ تسأل نفسك:
هل أخطأ حزب الله حين لم يبادل التدمير بالتدمير...
هل لا يزال يخطئ حزب الله حين يقبل بصمت بتدمير حياة الناس على يد عدو يعرف هو كما تعرف طهران أنهما أخطئا حين تركوا المبادرة تسقط من يدهم حين تعرضوا للخديعة تلو الخديعة...
هل التعرض للخديعة مبرر؟
أليس القبول بما يجري هو نوع من الاستسلام للقدر؟
هل علينا دائما القبول بموقع الضحية؟