قد يبدو الحديث عن التبرز موضوعا محرجا للبعض، لكنه في الحقيقة عملية حيوية معقدة يشارك فيها الدماغ، الأعصاب، والعضلات بشكل منسّق مذهل.
وبالرغم من أن كل إنسان يقوم بها يوميا، فإن العلماء ما زالوا يكتشفون أسرار الإحساس بالراحة الذي يعقبها.
يقول الدكتور هانيبال بيرسون، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي للأطفال في مستشفى سياتل للأطفال:
«بالرغم من أن التبرز من أكثر الأفعال شيوعا بين البشر، إلا أننا لا نزال نفتقر إلى فهم كامل لكيفية عمله ولماذا يمنحنا شعورا بالارتياح».
كيف يترجم الدماغ إشارات الأمعاء إلى شعور بالراحة
مع امتلاء الأمعاء بالبراز، تبدأ النهايات العصبية في جدران القولون بإرسال إشارات إلى الدماغ بأن هناك ضغطا داخليا غير مريح.
هذا التمدد يحفّز العضلة العاصرة الداخلية (internal sphincter) على الانفتاح بشكل لا إرادي، لكن العضلة العاصرة الخارجية (external sphincter) تمنع خروج البراز حتى نقرر التوجه إلى الحمام.
يشرح الدكتور بيرسون: «يمكننا شد عضلات الحوض أو الأرداف أو حتى أوتار الركبة لتأجيل التبرز، لكن الضغط المتزايد في النهاية يدفعنا إلى الذهاب إلى المرحاض».
وعند التخلص من هذا الضغط، يشعر الجسم براحة فورية، وهي ليست شعورا نفسيا فقط — بل استجابة عصبية مثبتة علميا.
مناطق المكافأة في الدماغ تستجيب بعد الإخراج
تؤكد الدكتورة لوسيندا هاريس، اختصاصية أمراض الجهاز الهضمي في كلية الطب بجامعة مايو كلينيك، أن دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) كشفت أن: «عند تخفيف تمدد الأمعاء بعد التبرز، تُظهر مناطق مثل القشرة الحزامية الأمامية والجزيرة الدماغية استجابة مشابهة لتلك التي تحدث عند الشعور بالمكافأة أو تخفيف الألم».
بمعنى آخر، التبرز يفعّل نظام “المكافأة” في الدماغ، مما يفسر الإحساس بالراحة والمتعة بعد العملية.
دور العصب المبهم: الرابط بين الأمعاء والمشاعر
يتصل الجهاز الهضمي مباشرة بالدماغ من خلال العصب المبهم (Vagus Nerve)، أحد الأعصاب القحفية الرئيسية.
وعندما يتم إفراغ الأمعاء، يتم تحفيز هذا العصب، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب — أي حالة من الاسترخاء العميق.
هذا التفاعل العصبي يفسر لماذا يشعر البعض بعد التبرز بـشعور مهدئ ومريح يشبه الراحة بعد التنفس العميق أو التأمل.
الأعصاب والعضلات: التوازن بين الشد والاسترخاء
هناك أيضا دور مهم للعصب الفرجي (Pudendal Nerve)، وهو العصب المسؤول عن التحكم بعضلات الحوض.
عندما نحاول حبس البراز لفترة طويلة، تتشنج هذه العضلات وتزداد التقلصات والألم في منطقة الحوض.
تقول الدكتورة هاريس: «عندما يبقى الناس في حالة شد أو توتر في عضلات الحوض، فإن ذلك يسبب المزيد من الألم. لذلك، من المهم جدًا تعليمهم كيفية إرخاء هذه العضلات أثناء الإخراج».
التبرز ليس مجرد عملية إخراج، بل نظام مكافأة بيولوجي
الشعور بالراحة بعد التبرز هو نتيجة تفاعل عصبي معقد بين الأمعاء والدماغ، يوازن بين التخلص من الضغط الجسدي وتنشيط مناطق الراحة العصبية.
إنها لحظة طبيعية من الانسجام الفسيولوجي بين الجسم والعقل، تعكس مدى دقة تصميم جهازنا العصبي والهضمي.