حول غزّة كتب الأستاذ إيهاب زكي:
مقالات
حول غزّة كتب الأستاذ إيهاب زكي: "الإبادة الصامتة وحصريَّة الاشتباك".
ايهاب زكي
1 تشرين الثاني 2025 , 10:37 ص


مذابح على مدار اليوم بالليل والنهار، كانت نتيجتها أكثر من مئة شـ.ــهـ..ـيد وعشرات الجـ..ـرحى، بذرائع ليست جديرة بالذّكر، فالـ.ـعـ.ـدو ليس بحاجة للتذرع بأيّ أسباب، للإقدام على ارتكاب جــ..ــرائـمه، فما يُسمى بالمجتمع الدولي الذي يتباكى على جثث 12 صهيـ.ـونيًا في رمال غـ..ـزة، لا يرفّ له جفن، على مليونيّ إنسانٍ حيّ في قطـ.ـاع غـ..ـزة، لذلك فإنّ قـ.ـتلهم وحــ..ـصـارهم وتجـ..ـويعهم ودفنهم أحياء، حقٌ مشروع متى ارتأى نتنياهو ذلك.

منذ اتفاق وقف النار، للمرة الثانية خلال أسبوع، يتذرع الــكـيان بحادثٍ أمنيّ في رفـ.ـح، لتشغيل آلة القـ.ـتل، حادثٌ تبرأت منه الجهة المتهمة به، فقالت حركة "حــ.ـمـ..ـاس"، أنْ ليس لها علم بهذه الحوادث، وأنّها ما زالت ملتزمة باتفاق إنهاء الحر ب، وغموض هذه الحوادث، لا يختلف كثيرًا عن غموض المراحل اللاحقة للاتفاق.

منذ بداية الحر ب تبلورت واختُزلت ماهيّتها في الصراع على اليوم التالي، وهو اليوم الذي كان يعِد نتنياهو أميركا والغرب، كما يعِد ناخبيه من اللصوص والقـ.ـتلة، بأنّه سيكون بلا "حــ.ـمـ..ـاس" وبلا سـلـاح في غـ..ـزة، بل حتى بلا غزِّيين، لكن واقع اليوم التالي كان غزاويًا حمساويًا مسـ.ـلحًا، وهذا ما يجعل منه طرفًا خاسرًا.

رغم أنّ معضلة نتنياهو هذه تعدُّ محدودة في حساب المصالح الأميركية الكبرى، فإنّها بالنسبة له هي مركز الكون، وهي أهم مسببات أفعاله وخلفيات سياساته، ولكن هذه المصلحة القذرة-من نتنياهو- غير مسموحٍ لها بتجاوز خطوط أميركا الحمراء، فتأخذ على يده كلما امتدت إلى تلك الخطوط.

هنا برز المخطط الأميركي الذي تقاطع مع مصالح نتنياهو المحدودة، حيث يثبت لناخبه أنّه أكثر إجرامًا، وأنّه المجرم الأخير والملاذ الأخير لكل المتعطشين لسفك الدم، في المقابل تحقيق أميركا أهدافها من اتفاق وقف الحر ب،بممارسة الإبادةالصامتةوالقتل الصامت.

إبادة جماعية بلا ضجيج، فلا مظـ.ـاهرات في عواصم الغرب، ولا ضغط على حكوماته، بما فيها حكومة الولايات المتحدة التي قال رئيسها "نشأت في بيئةٍ، كانت فيها الكلمة السيئة بحق "إسـرائـيل" تكلفك مستقبلك السياسي"، أمّا الآن فقد أصبحت الكلمةُ الجيدةُ بحق "إسـرائـيـل" هي الّتي تكلفك مستقبلك السياسي".

كذلك هي حــ..ـربٌ من طرفٍ واحد، بلا أحداث أمنية ولا كمائن للمـقـاومة، ولا صور أو مقاطع مرئية للإعلام العسكري، وهي أيضًا بلا جبهةِ الإسنادِ اليمنيةِ التي كانت ضاغطةً و بشدة على الاقتصادِ الصِّهيـوني، بعيدًا عن القلق العسكري والأرق المعنوي اللَّذَيْنِ كانت تسببهما للكيان ومستوطنِيهِ وجيشِهِ وسياسِيِّيه.

وبما أنّه لا يمكننا الجزمُ، بماهيّةِ الحدَثَيْنِ الأمْنِيَّيْنِ في رفـح، فإنه بالحدِّ، الأدنى، بإمكانِنا استشرافُ طبيعةِ المستقبلِ القريبِ، لما يُعْرَفُ بالخطِّ الأصفر، حيث إنّ مستقبلَهُ، حَسْبَ ما تُخَطِّطُ لهُ الولاياتُ المتحدة، أن يكون غزة الجديدة.

وغـزة المتخيّلة هذه عبارةٌ عن مشروعٍ عقاريٍّ، تُدِيرُهُ شركاتٌ أميركية، تحتَ غِطاءِ إدارةٍ "فلسطينية"،أبوشباب والأسطل وحِلْسُ والمنسيّ، يَتبعُونَ لجهازِ "الشاباك" مُباشرةً، وتَتِمُّ إعادةُ إعمارِ هذه المنطقة، وتُتركُ غـزةُ ذاتُ المليونَيِّ نسمةٍ في خرابِها ودمارِها. ومن يريد مسكنًا وتعليمًا وصحةً وخدمات، عليه الانتقال إلى مشروع ترامب.

لذلك، فإنَّ الصراعَ قد ينتقلُ من الصراعِ على اليومِ التالي، إلى صراعٍ على غــزة الخط الأصفر، فالأحداثُ الأمنيةُ في رفـح، تفتحُ جبهةَ صِدامٍ مُحْتَمَلٍ، وبلا ماهِيَّةٍ عن الجهةِ التي تُطلِقُ النار، خصوصًا وأنّ "حمـاسَ" تنفي مسؤوليتَها، وتُؤَكِّدُ اِلْتِزامَها بوقفِ الحرب.

وقد يكونُ إعلانُ "حـمـاس" عدمَ مسؤوليتِهاعمّاوراءَالخطِّ الأصفر، هو المدخلُ الضرورِيُّ لِتَحويلِ تلكَ المنطقةِ إلى نقطةِ صدامٍ واشتباك، دون مسؤوليةمباشرة، بما أنّها تقعُ تحتَ سيطرةِ العدو العسكرية المباشرة، ولكنَّ حصرَ الصراعِ في تلكَ المنطقةِ، مِنَ الأمورِ الصعبةِ جداً، إن لم تكن مستحيلة، حيث لا أوراقَ قُوَّةٍ "إسرائـيليةٍ"سِوى استــهدافِ المدنيين.

وكذلك يجِبُ تحويلُ فَرْضِ العدوّ معادلةً جديدةً بالنار، إلى معادلةٍ مستحيلة، فاستحالةُ فَرْضِ حصريّةِ الاشتباك خلف ما يُسمى بالخطِّ الأصفر، تُقابِلُها استحالةُ فَرْضِ مُعادلةِ الإبادةِ الصامتةِ وحرب الطرف الواحد.