أظهرت دراسة جديدة بقيادة جامعة مينيسوتا الأمريكية (University of Minnesota Medical School) أن جزيئات خاصة تُعرف باسم "الغراء الجزيئي" (molecular glues) و"المصدّات الجزيئية" (molecular bumpers)قادرة على إعادة توجيه إشارات مستقبلات الخلايا من نوع GPCR، وهي أكثر المستقبلات شيوعاً في العالم، مما يمهد الطريق أمام جيل جديد من الأدوية الذكية والمستهدفة بدقة.
نُشرت الدراسة في مجلة Nature.
ما هي مستقبلات GPCR ولماذا تهم الأطباء؟
تُعد مستقبلات G protein-coupled receptors (GPCRs) أكبر عائلة من المستقبلات البروتينية في جسم الإنسان، وهي مسؤولة عن نقل الإشارات بين الخلايا.
حوالي ثلث جميع الأدوية المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تستهدف هذه المستقبلات.
لكن رغم نجاحها الهائل، لا تزال قدرتها على التخصيص محدودة: إذ يمكن لنفس المستقبل أن يفعّل مسارات متعددة داخل الخلية — بعضها مفيد علاجياً، والبعض الآخر يسبب آثاراً جانبية غير مرغوبة.
النهج الجديد: إعادة برمجة الإشارات من الداخل
قاد الفريق البحثي، الذي ضم علماء كيمياء من معهد سانفورد بورنهام بريبيس للاكتشاف الطبي (SBP)، دراسة لتصميم مركّبات جديدة تستهدف مواقع داخلية في الخلية وهي مناطق لم تكن مستهدفة بالأدوية من قبل.
فعلى عكس معظم الأدوية التي ترتبط بجزء المستقبل الموجود على سطح الخلية، فإن هذه المركّبات تدخل إلى داخل الخلية حيث تتفاعل مباشرة مع الشركاء الجزيئيين للإشارة.
النتائج كانت مدهشة:
بعض المركّبات تعمل كغراء جزيئي، مما يعزّز تفاعل المستقبل مع شركاء محددين.
وبعضها الآخر تعمل كمصدّات جزيئية، فتمنع تفاعلات غير مرغوبة.
بهذا الشكل، لا تتحكم الأدوية الجديدة فقط في "قوة الإشارة"، بل في نوع الإشارة المرسلة نفسها.
تصميم جزيئات مخصصة لكل مسار إشاري
من خلال النمذجة الحاسوبية، تمكن الباحثون من تصميم جزيئات مختلفة البنية تنتج أنماطاً إشاريّة متنوعة داخل الخلية.
وأوضح الدكتور ستيفن أولسون (Steven Olson)، المدير التنفيذي للكيمياء الطبية في معهد SBP والمشارك في الدراسة:
"استطعنا تحديد المسارات التي تُفعّل وتلك التي تُثبّط بمجرد تعديل البنية الكيميائية للمركّب. والأهم أن هذه التغييرات يمكن التنبؤ بها، ما يسمح بتصميم أدوية بشكل عقلاني ودقيق."
نحو أدوية أكثر أماناً لعلاج الألم والإدمان
ركز الفريق على مستقبل النيوروتنسين-1 (Neurotensin Receptor 1)، وهو نوع من مستقبلات GPCR المرتبطة بتنظيم الألم والسلوك الإدماني.
يأمل الباحثون أن تؤدي هذه الطريقة إلى علاجات جديدة للألم المزمن والإدمان بآثار جانبية أقل مقارنة بالأدوية الحالية مثل المواد الأفيونية.
كما أن الموقع الداخلي المستهدف موجود في العديد من مستقبلات GPCR الأخرى، مما يعني أن هذه الإستراتيجية يمكن أن تمتد لتشمل عشرات الأمراض من اضطرابات القلب إلى أمراض الأعصاب.
تصريح الباحثة الرئيسية
قالت الدكتورة لورين سلوسكي (Lauren Slosky)، الأستاذة المساعدة في كلية الطب بجامعة مينيسوتا والمؤلفة الرئيسية للدراسة: "القدرة على تصميم أدوية تولّد فقط النتائج الإشارية المرغوبة داخل الخلية تمثّل قفزة نوعية نحو أدوية أكثر أماناً وفعالية. حتى الآن لم نكن نعرف كيف نحقّق ذلك بدقة."
أهمية الاكتشاف
يمثل هذا البحث توجهاً جديداً في علم الدواء الجزيئي، حيث لم يعد الهدف هو "تشغيل" أو "إيقاف" المستقبلات فقط، بل إعادة توجيه إشاراتها الداخلية بذكاء.
ويؤكد الباحثون أن هذا النهج يمكن أن يفتح الباب لتطوير علاجات دقيقة لأمراض معقدة تشمل السرطان، الاضطرابات العصبية، وأمراض المناعة الذاتية.