كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون في مركز MD Anderson للسرطان بجامعة تكساس عن أن الالتهاب قد يكون المحرك الرئيسي لتطور سرطان الرئة في مراحله الأولى، مما يفتح الباب أمام تطوير علاجات وقائية مبتكرة تستهدف المرض قبل تحوله إلى حالة متقدمة.
اعتمد الباحثون في دراستهم على إنشاء خرائط بصرية خلوية وجزيئية عالية الدقة لسرطان الرئة خلال مراحله المبكرة، مما سمح لهم بتتبع تطور المرض وفهم ديناميكيات الخلايا السلفية، وهي الخلايا التي تتحول لاحقا إلى خلايا سرطانية.
الخلايا والالتهاب: علاقة مباشرة ومحفّزة للسرطان
قال الدكتور همام كدارا، أستاذ علم الأمراض الجزيئي الانتقالي بالمركز: "وجدنا أن الخلايا المبكرة المسببة لسرطان الرئة تتواجد في مناطق تتسم بنشاط التهابي مرتفع، وتحيط بها خلايا محفّزة للالتهاب، وعند استهداف الالتهاب عبر تحييد محفّز يسمى IL-1B، لاحظنا انخفاضا واضحا في عدد الخلايا السلفية للسرطان."
وأشار كدارا إلى أن هذا الاكتشاف يمهّد الطريق لتطوير استراتيجيات جديدة لاعتراض المراحل المبكرة للمرض، مما قد يسهم في تحسين جودة الحياة وفرص البقاء لدى المرضى.
خرائط جينية دقيقة تكشف التفاصيل الخفية
استخدم العلماء تقنية التحليل المكاني للنسخ الجيني (Spatial Transcriptomics)، التي توفر تمثيلا مرئيا لكيفية ومكان التعبير الجيني داخل أنسجة الرئة.
هذه التقنية مكّنتهم من تحديد الجينات والخلايا المشاركة في تكوين الآفات السلفية، وهي تغيرات في الأنسجة يمكن أن تتحول لاحقا إلى خلايا سرطانية، مما يساعد في تحديد أهداف علاجية للتدخل المبكر.
تفاصيل الدراسة: آلاف الخلايا تحت المجهر
قام الفريق بإنشاء خرائط تحليل مكاني للنسخ الجيني لـ 56 آفة سلفية بشرية وعينات من سرطان الرئة المتقدم تعود إلى 25 مريضا.
وتم التحقق من النتائج عبر مجموعة مستقلة تضمنت 36 آفة من 19 مريضا، شملت أكثر من 486 ألف بقعة و5.4 ملايين خلية تم تحليلها بعناية فائقة.
الالتهاب بوصفه مفتاح العلاج المستقبلي
أظهرت نتائج الدراسة أن مناطق الالتهاب داخل الآفات السلفية تحتوي على خلايا سنخية مرتبطة بالأورام تكون أكثر نشاطا وانتشارا في المراحل الأولى من المرض.
كما لاحظ العلماء وجود هذه الظاهرة في النماذج المخبرية أيضا، مما يعزز فرضية أن الالتهاب ليس مجرد نتيجة للسرطان، بل عامل مساهم في نشأته.
وتشير النتائج إلى أن استهداف الالتهاب، سواء عبر العلاج المناعي أو من خلال الأدوية المضادة للالتهاب، قد يشكل استراتيجية واعدة لاعتراض سرطان الرئة قبل تطوره وتحسين فرص الشفاء.
آفاق جديدة لمرضى سرطان الرئة
يرى الخبراء أن هذه النتائج تمثل تحولا جوهريا في فهم آليات نشوء السرطان، إذ تقدم مقاربة جديدة تركز على الوقاية المبكرة بدلا من العلاج المتأخر.
وتفتح الدراسة آفاقا واسعة لتطوير أدوية موجهة نحو الالتهاب الخلوي، مما قد يسهم في تقليل معدلات الإصابة والوفيات المرتبطة بسرطان الرئة، أحد أكثر أنواع السرطان فتكا حول العالم.