هي مواقف تكتب بالحبر المقدس لا بالحبر السياسي، تشهد لها الوقائع كما تشهد لها الضمائر الحرة، مواقف تنسج من الصبر خيوط العز ومن المعاناة قصائد مجد خالد، فليست إيران دولة فحسب، بل منظومة قيم، ومعراج وعي يتجاوز الجغرافيا إلى جوهر الكرامة. في زمن تهاوت فيه المبادئ وارتفعت فيه الأقنعة، برزت طهران الطهارة ككوكب لايطفئه الغبار، تصنع من وجعها وقودا، ومن حصارها منارا، ماضية بثقة راديكالية نحو استقلالها السيادي، تعيد تعريف الكرامة بمعجمها الخاص، وتمنح الأحرار معنى الموقف في زمن الإنكسار.
وبتعريف آخر:
في زمن تتكاثر فيه الأقنعة وتختلط فيه الأصوات، تبقى جمهورية إيران الإسلامية منارة صدق في ليل النفاق، وموقفا ” مبنيا للمعلوم " لايتيه مع رياح المصالح ولايبهت أمام زيف الإعلام. فمن رحم ثورتها المباركة خرجت لتقول كلمتها الحرة في وجه الإستكبار والطغيان، رافضة الإنصياع ليهمنة المستعمر المستدمر، حاملة مشعل الكرامة في يد، وسيف المبادئ في الأخرى.
قدمت عاصمة الزعفران والأصالة الغالي والنفيس، ودفعت أثمان باهضة من حصار وتكالب وتضليل إعلامي موجه ضدها لتشويه سمعتها وتلطيخ صفحاتها الناصعة الساطعة. لا لشئ سوى أنها قالت ” لا" في زمن الخنوع والركوع. و ”نعم" لحق الشعوب المقهورة المطالبة بالتحرر والإستقلال وتحقيق النصر.
ومن قمم مواقفها السامقة يسطع نجم القائد الأعلى لثورتها المظفرة سماحة آية الله علي خامنئي دام ظله الذي جعل من قدس الأقداس بوصلة الوعي، ومن الدفاع عن المقدسات الإسلامية وحتى المسيحية الشقيقة عهدا لايسقط بتقادم الزمن، فبارك أرض الرياحين مسرى الإسراء والمعراج بدموع المآذن وصبر الأحرار، وقال في وجه الغاصب: ”لن تكون قدس الأقداس للبيع ولن يستبدل الإيمان وحب الأوطان بالذل والخزي والخذلان".
وفي المقابل يأتي ” المبني للمجهول" رمزا للصمت المريب؛ صمت من أداروا ظهورهم لغزة الجريحة، وأغمضوا أعينهم عن مشهد المجازر، وسدوا آذانهم عن صراخ الأطفال تحت الركام. هم الذين وصفهم الله في كتابه الكريم.(صم بكم عمي فهم لايرجعون) فبدلوا الولاء بالعزاء، والكرامة بالوليمة، والنخوة بالدولار.
لكن التاريخ لايرحم والضمير لايشترى. فالمجد المقاومات الأصيلة: اليمنية الصابرة، اللبنانية المنتصرة، الفلسطينية البطلة، العراقية الوفية، وقريبا النشامية الأردنية الغيورة على شقيقتها غزة الجريحة، والسورية التي تنهض من رمادها وتضغط على زنادها وبثوبها العربي الأصيل، لتسترد ترابها الوطني في جنوبها جولانها قنيطرتها جبلها الشامخ جبل الشيخ وتطهر كل شبر من دنس أقدام المحتل الغاصب. ولايمكن لضمير عربي أو إسلامي أن يتغاضى عن دور باكستان الشقيقة حكومة وشعبا أصيلا واصطفافها مع محور الحق. إسلام أباد، ذلك القلب المسلم النابض بالعقيدة والإباء والمصطفة مع شقيقتها في الكبرياء طهران العزة والشموخ والإخاء.
لقد وقفت إسلام أباد_ رغم الصعوبات مدافعة عن وحدة الأمة برفقة شقيقتها عاصمة الفستق والسجاد والزعفران والحضارة طهران داعية إلى التآخي بين شعوبها الأصيلة، مذكرة بأن الإسلام الحنيف ليس طائفة ولا جغرافيا، بل رسالة محبة وتسامح وسلام وحب ووئام ووعي كوني.
فلنقرأ الموقف بعيون السيميولوجيا، ونفهم صموده بعقل الميتافيزيقيا، ونستوعب عمقه بجينالوجيا التاريخ. فإيران لم تكن حدثا سياسيا فحسب بل ظاهرة راديكالية في فلسفة الدفاع عن المقهورين المضطهدين. كتبت بيانها بدماء الشهداء الذين نترحم عليهم اليوم؛ أولئك الذين صاغوا بدمائهم معاني البقاء والبهاء. وختاما أقول: ماضل من جعل قدسنا الطاهر قبلته ولا خاب من جعل المقاومة عقيدته. ” إنما المؤمنون إخوة " فالمجد للصادق ”المبني للمعلوم", والخزي والعار للمبني للمجهول الصامت. والخلود لكل من صعدت روحه الطاهرة ومات واقفا دفاعا عن شرف الأمة وكرامتها. فلتنهض الضمائر من ثباتها ولتنشد المآذن أناشيد العز، فالمبادئ لاتشترى والحق لايستعار، ومن صبر وصمد كان في جينالوجيا الخلود و ميتافيزيقيا الإباء.
مفكر كاتب حر، لا أنتمي لأية جهة، وإعلامي سابق في الغربة.