جح فريق بحثي من جامعة سيدني في تطوير تقنية ثورية تستخدم أوعية دموية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد تحاكي بدقة تشريح الأوعية الدموية البشرية وديناميكية تدفّق الدم داخلها. وقد أثبتت الأبحاث المنشورة في مجلة Advanced Materials أنّ هذا الابتكار قادر على تقديم رؤى غير مسبوقة حول كيفية تكوّن الجلطات الدموية التي تؤدي إلى السكتات الدماغية، إضافةً إلى إمكانية استخدامه في اختبار الأدوية المصممة خصيصا لظروف كل مريض.
أهمية التقنية في مواجهة أمراض القلب
تعدّ أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الأول للوفاة في أستراليا، حيث يفقد شخص حياته بسبب أمراض القلب كل 12 دقيقة. ورغم وجود وسائل تشخيصية متقدمة، لا توجد حتى الآن تقنية قادرة على التنبؤ المبكر بالأحداث المؤدية لانسداد الشرايين السباتية أو تكوّن الجلطات.
ويقول تشارلز تشاو، مرشح الدكتوراه في كلية الهندسة الطبية الحيوية، إن هذا البحث لا يهدف فقط إلى طباعة أوعية دموية، بل إلى "طباعة الأمل لملايين الأشخاص المعرّضين لخطر السكتات الدماغية حول العالم".
خلفيته في الهندسة الميكانيكية ومعرفته العميقة بديناميكا الموائع لعبتا دورا مهما في تطوير نموذج محاكاة تدفق الدم داخل الأوعية.
نماذج دقيقة تحاكي التشريح الواقعي للأوعية الدموية
اعتمد الباحثون على صور الأشعة المقطعية لمرضى السكتة الدماغية لإنشاء نماذج مصغرة بدقة عالية للشريان السباتي، حيث تم تصغير النماذج إلى حجم يتراوح بين 200 و300 ميكرومتر، رغم أن القطر الفعلي للشريان يقع بين 5 و7 ملم.
كما تمكّن الفريق من تقليص مدة تصنيع النموذج من 10 ساعات إلى ساعتين فقط.
بدلًا من استخدام الراتنج في قوالب الطباعة، وهي طريقة بطيئة وعالية الأخطاء—طوّر الباحثون تقنية جديدة تعتمد على شرائح زجاجية كأساس. وعند النظر إلى هذه النماذج من مسافة معينة تبدو مثل نقوش دقيقة محفورة على الزجاج.
مشاهدة تكوّن الجلطات الدموية لحظة بلحظة
خلال التجارب، تمكن العلماء من رؤية تكوّن الجلطات وسلوك الصفائح الدموية في الزمن الحقيقي عبر الميكروسكوب. وقد كشفت التقنية أنّ الاحتكاك والقوة الناتجة عن تدفّق الدم داخل الشرايين تلعب دورا محوريا في حركة الصفائح الدموية وتنظيم عملية التخثر، خصوصا في حالات ارتفاع ضغط الدم وتصلّب الشرايين.
وفي المناطق التي تتعرض لإجهاد عالٍ، لوحظ وجود زيادة بين 7 إلى 10 مرات في حركة الصفائح الدموية، وهو ما يفسّر قابلية بعض الأجزاء من الشريان لتكوين الجلطات.
خطوة نحو دمج الذكاء الاصطناعي وإنشاء "التوأم الرقمي" للأوعية
نجح الباحثون في محاكاة المظهر الفيزيائي للأوعية الدموية، إضافة إلى ديناميكية تدفّق الدم داخلها بشكل يشبه تدفّق الدم الحقيقي. ويُعد هذا إنجازا بارزا، إذ إن إعادة بناء ديناميكا الموائع داخل الشرايين كانت التحدي الأكبر في هذا المجال.
يقول البروفيسور أرنولد جو إن الفريق تمكن من إنشاء "توأم مادي" للأوعية الدموية الخاصة بالمريض، وهو نموذج مصغّر يحاكي الأوعية الحقيقية بدقة.
أما الخطوة التالية فهي دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء "توأم رقمي" قادر على توقع حدوث السكتات الدماغية قبل وقوعها. وتشرح الباحثة هيلين تشاو قائلة: "تخيل مستقبلا يمكننا فيه استخدام الأشعة المقطعية للمريض لطباعة نموذج ثلاثي الأبعاد لشرايينه، ثم اختبار استجابة دمه، واستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بخطر إصابته بالسكتة قبل سنوات."