كتب الكاتب محمد محسن:
زحزحة باب موصد، اغتال الغرب العقل العربي ، ولا يزالون يغتالون عقلنا، وتاريخنا
المثقفون الناكصون، خليط بمؤثرات شتى ، ووكلاء ، وعملاء للرأسمالية الغربية في بلداننا
من هنا نعتبر نصرنا الآن، نصر للعقل العربي ، وللتاريخ العربي، وهزيمة لمن اغتالهما
( مقال فكري ) ( 2 )
يقول المفكر العربي السوري الكبير جورج طرابيشي :
( لم يتوقف العقل العربي عن ممارسة فاعليته ، حتى عصر الانحطاط ، حيث راح العقل العربي يأكل من مائدته ) .
ثم قال :
الأبجدية اخترعها الفينيقيون ، في مطلع الألف الأول ق . م ، ونُقِلَتْ إلى اليونان في القرن السابع ق . م
نعم سرق العقل العربي ، وأخرج من سياقه التاريخي ، بل أخرج من التاريخ قسراً ، وراح يعاني من ضخامة التزييف ، والتحريف ، وفداحة العسف ، ووظَفَ بعكس مَنطوقه ، من قبل المركزية العنصرية الأوروبية التي تقول :
( أوروبا صنعت العالم ) ، وهي في الحقيقة سرقت علم العالم ، وطاقاته المادية ، والبشرية .
وأول من قام بسرقة تاريخنا المستشرقون ، الذين جاؤوا المنطقة كطلائع استخبارية ، استعمارية ، للبحث في طبائع شعوب المنطقة ، وثقافتهم ، وآثارهم ، ليسهل السيطرة عليها ، وعلى امكاناتها ، وأول ما فعلوه رسخوا عبارة ( أنتم لم تقدموا أي جهد لدعم الحضارة الانسانية ) .
وتجاهلوا كل الإنجازات الحضارية التي قدمتها ، الثقافة الفينيقية (الكنعانية) ، ثقافة صور ، وقرطاج ، وأوغاريت ، وجبيل ، والاسكندرية ، وانطاكية ، وغيرها .
يقول ، أبو التاريخ المؤرخ ( هيرودوس ) يقول :
[ استعار اليونانيون حروفهم من الفينيقيين ] .
ثم يقول :
[ الفلسفة الأولى أصلها فينيقي ، والفينيقيون شركاء أساسيون في العقل اليوناني ] .
ومع ذلك لم تنكر العنصرية الغربية ، اسهامات الشعوب التي تتالت على المنطقة ، الذين أوقدوا لأول مرة نور الحضارة فحسب ، بل أنكروا على العرب حقهم في أن يرثوا هذه الحضارات المتتابعة التي عاشت على أرضنا ، من سومر ، وبابل ، والكلدان ، والفينيقيين ، والآراميين ، وغيرها ، وكأن هذه الحضارات قد ولدت خارج جغرافيتنا .
هذا يؤكد ما يحمله العالم الغربي من العداء للعرب ، لذلك جاء مستشرقوهم وكان جل همهم تشويه تاريخنا ، ونكران دور شعوبنا في عمران البنيان العالمي الحضاري ، انطلاقاً من ( المركزية الاثنية الأوروبية ، والاحساس بالتفوق ) .
، وأول خطوة خطوها في عملية سرقة تاريخ المنطقة ، سلخ اليونان واخراجها من محيطها المتوسطي ، التي شكلت معه الانطلاقة الأهم للحضارة الانسانية ، وضموها للغرب ، الذي كان مجدباً ، بدون أن يعتمدوا لغتها اللاتينية ، والغريب أن الحملات الصليبية الأولى عندما هاجمت الشرق ، أول ما هاجمت بيزنطة الأرثوذكسية ــــ اليونانية .
والمحزن أن الكثيرين من مثقفينا الدارسين في الغرب ، تبنوا ما عممته المدارس الإستشراقية ، ، ونشروه في مجتمعاتنا ، وبنوا عليه وعيهم وثقافتهم ، حتى باتت ثقافة الاستشراق أس ثقافتنا الشعبية العامة ، فضيعوا بذلك مساهمة العقل العربي ومكانته في الحضارة الانسانية ، إلى الحد الذي استقر في الوعي العام العربي ، أو كاد أن يستقر ، أن العرب لا علاقة لهم بالعلم والمعرفة ، فكل العلوم جاءت من الغرب .
كما جاء الاغتيال الثاني للعقل العربي ، عندما اغتيلت حركة الاعتزال العقلانية ، التي أسسها ( واصل بن عطاء ) ، وكان الاغتيال الأهم وقف الاجتهاد ، وتكفير من يتعاطى العلوم الطبيعية ـــ العلمية ـــ الواقعية ـــ المستقبلية ، وحصر مهمة العقل ، في دراسة الفقه الماضوي ، وتفسيره باعتباره أول العلم وآخره .
واستكمل باغتيال الرشدية العقلانية ، التي شكلت الانطلاقة العقلانية الأولى في أوروبا ، من قبل تلاميذ الغزالي الذين تبنوا ما جاء في كتابه ( تهافت الفلسفة ) ، التي حاربت الفلسفة ، معتبرة من يتعامل مع الفلسفة زنديقاً .
والمحزن تبني المؤرخ الكبير بن خلدون ، لمدرسة الغزالي السلفية ، والذي حدد المجال الوحيد للنشاط العقلي ، في ( قراءة التراث ، وتفسيره ) ، معتبراً العلوم الطبيعية هي من أعمال الفرنج .
نعم اغتالوا العقل العربي عبر القرون ، وجاؤوا اليوم ليغتالوا استقلالنا ، وحريتنا ، من هنا من هذا الواقع التاريخي المر ، ننظر إلى أهمية انتصارنا في هذه الحرب المتوحشة .
[ لأنه انتصار للعقل العربي ، وللتاريخ العربي ، وإعادة لدورنا الحضاري]