أكبر تحول في دماغ الإنسان يحدث عند سن 32 وليس في المراهقة
منوعات
أكبر تحول في دماغ الإنسان يحدث عند سن 32 وليس في المراهقة
26 تشرين الثاني 2025 , 14:51 م

تشير دراسة علمية واسعة من جامعة كامبريدج إلى أن دماغ الإنسان يمرّ بخمس مراحل رئيسية من التغيّر البنيوي خلال حياته، مع حدوث التحوّل الأكثر جذرية في نحو سن الثانية والثلاثين، وهي نتيجة تناقض الاعتقاد الشائع بأن المراهقة تمثل ذروة التغييرات العصبية. وتعتمد الدراسة على تحليل 3802 فحص بالرنين المغناطيسي، الأمر الذي يجعلها واحدة من أدق الخرائط الزمنية لتطور الدماغ البشري.

الدراسة التي نُشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز قدّمت رؤية شاملة لمراحل نمو الدماغ، من الولادة وحتى الشيخوخة، من خلال تحليل انتشار المادة البيضاء وتطور الشبكات العصبية.

المرحلة الأولى: طفولة الدماغ (من الولادة حتى 9 سنوات)

في هذه المرحلة، التي تُعد الأكثر ديناميكية في حياة الدماغ، يشهد الطفل نموا سريعا في كلٍّ من المادة الرمادية المسؤولة عن معالجة المعلومات، والمادة البيضاء التي تنقل الإشارات بين مناطق الدماغ. كما تحدث عملية حاسمة تُعرف بـ”التشذيب العصبي” (Synaptic Pruning)، حيث يتخلّص الدماغ من الوصلات غير الضرورية التي تكوّنت في السنوات الأولى.

هذه العملية تُعتبر جزءًا من بناء الأسس الأولى للإدراك، اللغة، الذاكرة، وتنظيم السلوك.

المرحلة الثانية: الانتقال نحو المراهقة — كفاءة أعلى لا تغيّر جذري

تشهد هذه المرحلة بناء شبكات عصبية أكثر كفاءة، خاصة في المناطق المسؤولة عن اتخاذ القرار والتحكّم التنفيذي في الفص الجبهي. ورغم حساسية هذه المرحلة اجتماعيا وسلوكيا، إلا أن الدراسة تشير إلى أنها ليست نقطة التحول الكبرى كما كان يُعتقد لعقود، بل مجرد استمرار لتعزيز الشبكات الموجودة.

توضح الدكتورة أليكسا موزلي، قائدة الدراسة، أن “المراهقة ليست ذروة التغيّر العصبي، بل مجرد مرحلة تثبيت وتطوير لما بدأ في الطفولة”.

المرحلة الثالثة: التحوّل الأعظم عند سن 32 عاما

تبيّن الدراسة أن أكبر تغيّر هيكلي في الدماغ يحدث في حوالي سن 32، وهو العمر الذي يبلغ فيه تطور المادة البيضاء ذروته، ما يعني أن سرعة الاتصال بين مناطق الدماغ تكون في أفضل حالاتها.

هذا التحول يؤثر على:

• سرعة التعلم

• جودة الذاكرة

• المرونة المعرفية

• القدرة على اتخاذ القرارات المعقدة

وتصف موزلي هذا العمر بأنه “المنعطف العصبي الأكبر”، حيث يظهر تغيّر واضح في اتجاه تطور شبكات الدماغ مقارنة بالعقود السابقة.

المرحلة الرابعة: استقرار طويل المدى — من 32 حتى منتصف الستينيات

بعد التحوّل الكبير في بداية الثلاثينيات، يدخل الدماغ مرحلة استقرار تمتد لأكثر من ثلاثة عقود.

هذه الفترة تمثل ما يسميه الباحثون الهضبة المعرفية؛ إذ يحافظ الدماغ خلالها على أداء ثابت في الذكاء، الذاكرة، الشخصية، والقدرات الإدراكية.

ورغم وجود تغيّرات طفيفة بمرور الوقت، إلا أنّ المسار العام يبقى مستقرا نسبيا.

المرحلة الخامسة: الشيخوخة المبكرة — نقطة التحول عند سن 66

عند حوالي سن 66 عامًا، تبدأ علامات التراجع التدريجي في المادة البيضاء، وهو ما يشير إلى بداية الشيخوخة العصبية المبكرة.

ويرتبط هذا التراجع بعدة عوامل:

• انخفاض مرونة الشبكات العصبية

• تباطؤ نقل الإشارات

• حساسية أكبر تجاه عوامل صحية مثل ارتفاع الضغط

• بداية فقدان الترابط بين مناطق الدماغ المختلفة

وتشير موزلي إلى أن “إعادة التنظيم العصبي تبلغ ذروتها في منتصف الستينيات، قبل أن تبدأ مرحلة التراجع التدريجي”.

المرحلة الأخيرة: تراجع الروابط العالمية — عند سن 83 عاما

في هذه المرحلة، يفقد الدماغ جزءا من قدرته على العمل كشبكة موحّدة واسعة، ويبدأ بالاعتماد بشكل أكبر على الاتصالات المحلية قصيرة المدى.

هذا التحوّل يرتبط بظهور:

• ضعف الذاكرة

• بطء المعالجة

• تراجع القدرات المعرفية العامة

ويقول البروفيسور دنكن أستل:

“كما تمرّ حياتنا بمراحل، يبدو أن أدمغتنا أيضًا تعيش عصورا عصبية متتالية”.

خلفية علمية موسّعة: لماذا يعدّ سن 32 نقطة تحوّل؟

تُظهر الدراسات العصبية أن المادة البيضاء، وهي المسؤولة عن سرعة وكفاءة نقل الإشارات، تنضج بوتيرة مستمرة حتى العقد الثالث. وعندما تبلغ ذروتها:

• يصبح الدماغ أكثر قدرة على الربط بين المعلومات

• تتكامل المناطق المسؤولة عن التفكير المعقد

• يتحسن التحكم التنفيذي والانتباه

• يصبح اتخاذ القرار أكثر نضجا

وبعد هذه الذروة، يبدأ الدماغ تدريجيًا بالتحول من مرحلة البناء إلى مرحلة الحفاظ على الحدّ الأقصى المكتسب.

تقدم هذه الدراسة صورة استثنائية لكيفية تطور الدماغ عبر حياة الإنسان، مؤكدة أن الذروة العصبية لا تحدث في المراهقة كما كان يُعتقد، بل في سن 32 عاما، وأن الشيخوخة العصبية تبدأ مبكرا نسبيا عند سن 66 عامًا.

هذه النتائج تمنح العلماء والأطباء إطارا أوضح لفهم مراحل القوة والضعف العقلي، ولتحديد الفترات التي يمكن فيها الوقاية أو التدخل لدعم صحة الدماغ على المدى الطويل.

المصدر: مجلة Nature Communications