سورية أولا … طريق النجاة يبدأ من الداخل
مقالات
سورية أولا … طريق النجاة يبدأ من الداخل
وائل المولى
29 تشرين الثاني 2025 , 04:54 ص

‏في زمنٍ تتحرك فيه مصالح الدول فوق جراحنا كأننا مجرد أرقام، يبقى الخلاص الحقيقي لسورية مرهونا بقدرة أبنائها على إنقاذ وطنهم من الداخل، وبإرادتهم في إعادة بناء عقدهم الوطني بعيدا عن الطائفية والاصطفافات.

‏إن مسؤولية الجميع وخاصة الدولة تعزيز الانتماء الوطني الذي هو حجر الأساس. فالانتماء ليس شعارًا نردده عند الخطر، بل رابطة عميقة تجعل السوري يرى كرامته في قوة وطنه، ومستقبله في وحدته، وأمنه في شراكة أبنائه لا في حماية من الخارج. ومن دون هذا الانتماء، يصبح الوطن ساحةً مشرعة لمن يريد استغلاله أو تقسيمه.

‏لتسقط الطائفية من حياتنا السياسية والاجتماعية. فهي ليست رأيًا بل مشروع تفتيت، تُغذّيه قوى تعرف أن سورية المفككة أسهل ابتلاعًا من سورية المتماسكة. والطائفية ليست قدرا، بل مرضا لا شفاء له إلا بالمواطنة التي تساوي بين الجميع، وباللامركزية الإدارية التي تضمن إدارة عادلة وتكسر مشاعر التهميش وتفتح باب المشاركة الحقيقية أمام كل المكوّنات.

‏ولا وطن بلا تعايش وسِلم أهلي. فالسلم الاجتماعي لا يصنعه السلاح ولا تفرضه القوة، بل تُربيه المدارس، وتشجعه المناهج، وتحميه العقول المستنيرة، ويثبّته رجال الدين والمثقفون عبر خطابٍ يرفع الوعي ويُطفئ نار الفتنة، ويوجّه المجتمع نحو المصالح المشتركة لا العداوات الصغيرة.

‏ولأن السوريين يستحقون دولة عادلة، فإن إطلاق سراح المعتقلين ومتابعة المفقودين والمخطوفين والمهجرين من بيوتهم وقراهم قسراَ ومحاسبة المتورطين وفتح صفحة جديدة ليست مطالب سياسية فحسب، بل شروط أخلاقية قبل أي مصالحة. فالشعب الذي يسعى للنهوض يجب أن ينصف أبناءه، ولا يكتب مستقبله فوق صفحات الألم.

‏إن سورية الجديدة تحتاج عقدا اجتماعيا وطنيا يعيد تعريف الدولة والسلطة والحقوق، ويصوغ نظاما سياسيا يشارك فيه الجميع بلا إقصاء، ويطلق انفتاحًا اقتصاديًا يعطي فرصة لا يخضع لفساد أو محسوبية، ويؤسس لحرية الفكر والتعبير كركيزة لأي نهضة حقيقية.

‏إن العالم لن ينقذ سورية، لأن مصالحه أهم من دمائنا. وحدهم السوريون يملكون القدرة على إعادة بناء وطنهم إذا تجاوزوا جراحهم، ورفعوا وعيهم، وبنوا ثقافة الأخوّة بدل ثقافة الانقسام.

‏سوريا تُحمى بالمحبة والتعايش، وتُبنى بالعدالة، وتنهض بالمواطنة، وتستمر بثقافة الأخوة. وعندما يتفق السوريون على هذا الطريق، ستسقط كل مشاريع الخارج، وتعود سورية وطنا … لا ساحة صراع.