عكّار بين الإهمال والانتظار … هل يأتي التغيير من صناديق الاقتراع؟
مقالات
عكّار بين الإهمال والانتظار … هل يأتي التغيير من صناديق الاقتراع؟
داني القاسم
29 تشرين الثاني 2025 , 11:08 ص

تقف عكّار كواحدة من أكثر المناطق التي دفعت ثمن الإهمال المتراكم من الدولة اللبنانية على مدى عقود. محافظة كاملة تُركت خارج خارطة الإنماء، تتخبّط بين غياب المشاريع الأساسية وضعف الخدمات العامة، فيما لا طبابة كافية، ولا طرقات مؤهَّلة، ولا إنارة تليق بمنطقة تشكّل بوابة لبنان الشمالية. عكّار التي تضم عشرات القرى والبلدات، ما زالت تعتمد على مبادرات فردية وخيرية لسدّ فراغٍ تركته الدولة عمداً أو عجزاً، فتحوّلت الخدمات إلى امتيازات موسمية تتبدّل وفق المزاج السياسي لا وفق حاجات الناس.

وعلى الرغم من الموارد البشرية الكبيرة التي تمتلكها عكّار، وعلى الرغم من موقعها الجغرافي الحدودي الذي يجعلها جزءاً أساسياً من الأمن الوطني، بقيت هذه المنطقة تُعامل كهامش، لا كجزء لا يتجزأ من الدولة. الإهمال لم يقتصر على إدارات الدولة فحسب، بل انسحب أيضاً على جزء من ممثلي المنطقة، الذين عجزوا أو امتنعوا عن تحويل مطالب الناس إلى خطط تنفيذية حقيقية. عشرات الوعود الانتخابية مرّت من دون أن ترى النور، وبقيت مشاريع البنى التحتية وملفات الاستشفاء والتعليم والتنمية الزراعية مجرد شعارات تُرفع ثم تُنسى.

اليوم، ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة، يطلّ على الساحة العكّارية عدد من “الوجوه الجديدة” التي تَعِدُ بالإنقاذ. لكن السؤال يبقى: هل يملك القادمون الجدد القدرة على قلب المعادلة؟ هل تستطيع هذه الوجوه أن تنتقل بعكّار من منطقة “اللادولة” إلى محافظة فاعلة داخل الدولة؟ أم أنّ السلطة التقليدية ستعيد إنتاج نفسها، تاركةً عكّار أسيرة الحرمان ذاته؟ وبين هذه الوجوه، يبرز تنافس محتدم بين من يطرح برامج إصلاحية فعلية، ومن يحاول تكرار خطاب الشفقة واستدرار العواطف، في منطقة سئمت الخطابات وتنتظر فعلا يغيّر واقعاً يزداد قسوة.

عكّار اليوم تقف أمام مفترق طرق. إمّا أن تمسك بفرصتها لتفرض حضورها في المعادلة الوطنية، وإمّا أن تبقى في دائرة النسيان، دائرة الحرمان التي باتت قدراً مفروضاً، لا خياراً. فالناخب العكّاري أمام امتحان حقيقي: إمّا كسر الحلقة المفرغة وإفساح المجال لأداء جديد، أو الرضوخ لاستمرارية واقعٍ جعل من عكّار محافظة تُطالب بالبديهيات التي حُرمت منها. وفي الحالتين، تبقى الحقيقة واحدة: إنقاذ عكّار لن يأتي من الكلمات، بل من قدرة أبنائها على فرض معادلة جديدة تُعيد لهذه الأرض حقّها الطبيعي في التنمية والكرامة.