بالنسبة لمعظم الناس، يُعد صوت الثلاجة، أو صوت اصطدام الأطباق، أو حديثٌ قريب مجرد ضوضاء خلفية عادية. لكن بالنسبة للبعض، قد تكون هذه الأصوات مزعجة أو مُرهِقة أو حتى مؤلمة. يُعرف هذا الاضطراب باسم فرط السمع، وهو حالة تتميز بحساسية عالية وغير طبيعية للصوت. ويمكن أن ينجم عن إصابة في الرأس أو التوحّد أو اضطرابات الأذن، وفي كثير من الحالات يبقى السبب غير معروف.
ومهما كان مصدره، فإن فرط السمع قد يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية، إذ يدفع المصابين إلى الخوف من الضوضاء، والعزلة الاجتماعية، أو الاعتماد المفرط على سدادات الأذن أو سماعات إلغاء الضجيج.
ورغم تأثيره الكبير، لا يزال هناك نقص واضح في الأبحاث حول هذا الاضطراب، مما يحدّ من تطوير أدوات تشخيص فعّالة.
نحو فهم أفضل لفرط السمع
تعمل شارلوت بيغراس، أخصائية السمع ومحاضرة في مدرسة أمراض النطق واللغة والسمع بجامعة مونتريال، على تغيير هذا الوضع من خلال أبحاث متقدمة تهدف إلى تعزيز فهم فرط السمع وتحسين طرق تقييمه سريريًا.
وقالت بيغراس: "حالياً، نعتمد على أدوات ذاتية مثل الاستبيانات وقياس مستوى عدم الارتياح من الأصوات. لا نملك أي أدوات موضوعية، وهذا يجعل تقييم فعالية العلاجات أمراً صعباً. كما يحدّ ذلك من قبول الجهات الممولة للعلاج، مثل هيئة تعويضات العمال في كيبيك."
ثغرة في الاختبارات التقليدية
في رسالتها للدكتوراه، درست بيغراس خصائص وآليات فرط السمع بهدف تحسين التقييمات السريرية. وفي دراسة جديدة نُشرت في مجلة Hearing Research، قامت بدراسة مستوى عدم الارتياح من الصوت عند ترددات عالية جدًا تتجاوز 8000 هرتز، وهي ترددات لا تغطيها الاختبارات القياسية.
وأوضحت: "تُجرى اختبارات السمع عادة عند ترددات بين 250 و8000 هرتز لأنها مهمة لفهم الكلام. لكننا نعلم أن بعض مشاكل السمع المبكرة، مثل طنين الأذن، قد تظهر أولاً عند ترددات أعلى، وبالتالي لا تكشفها الاختبارات المعتادة."
وقد أكدت الدراسة أن فرط السمع يمكن أن يظهر بالفعل عند ترددات تتجاوز 8000 هرتز، وهي ترددات لا تشملها الفحوص العامة، مما يفتح الباب لاستخدام هذه الترددات في تقييمات سريرية جديدة وأكثر دقة.
ليس خيالاً … بل اضطراب حسي حقيقي
فرط السمع أكثر شيوعاً مما قد يظن البعض. إذ يعيش حوالي 15% من الناس مع شكلٍ من أشكاله. ومن بين هؤلاء، يُبلغ أكثر من 10% عن تأثير مستمر أو متكرر للحالة على حياتهم اليومية.
هذا يعني أن أكثر من شخص واحد من كل مئة يعاني بشكل كبير من فرط السمع.
وتقول بيغراس إن الأشخاص المصابين يميلون إلى الانعزال لتجنب الضوضاء، مما قد يجعلهم يبدون غير اجتماعيين.
وأضافت: "على عكس فقدان السمع، الذي يمكن ملاحظته أو قياسه، يصعب رؤية فرط السمع أو تحديده. كثير من المرضى يُقال لهم إن الأمر مجرد خيال أو نفسي، لكنه في الحقيقة اضطراب حسي واضح."
وتطمح بيغراس إلى تغيير هذه النظرة من خلال تطوير مقاييس علمية دقيقة تساعد في التشخيص المبكر وتحديد العلاج المناسب، مما يساهم في تحسين جودة حياة المصابين.
إعادة تدريب الدماغ على تقبّل الصوت
هناك عدة طرق للتخفيف من أعراض فرط السمع، تشمل:
1. العلاج السلوكي المعرفي
وهو يهدف إلى علاج خوف المريض من الضوضاء والقلق المرتبط بإمكانية تفاقم حالته.
2. العلاج الصوتي
وهو إعادة تدريب النظام السمعي في الدماغ لزيادة تحمّل الأصوات تدريجياً. قد يشمل ذلك تعريض المريض لأصوات بيئية متدرجة الشدة أو ضوضاء بيضاء منخفضة تصدرها أجهزة قابلة للارتداء.
3. التدخل الطبي عند توفر سبب عضوي
إذ يمكن أحياناً تحديد السبب ومعالجته، لكن غالباً ما يتطلب الأمر نهجاً متعدد التخصصات يجمع بين علم السمع وعلم النفس للحصول على أفضل النتائج.