يُعدّ التوتر النفسي واحداً من أكثر العوامل التي تطلق شرارة العديد من الأمراض. ولا يقتصر تأثيره على الحالة النفسية فحسب، بل يمتد ليشمل ظواهر جسدية مثل تساقط الشعر. وقد توصل علماء من معهد هارفارد للخلية الجذعية إلى آلية دقيقة توضّح كيف يؤدي التوتر إلى فقدان الشعر عبر مرحلتين متتاليتين. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Cell العلمية المرموقة.

المرحلة الأولى: النورأدرينالين يقتل الخلايا داخل بصيلات الشعر

عندما يتعرض الجسم للتوتر، يفرز هرمون النورأدرينالين بكميات مرتفعة. وعند وصوله إلى بصيلات الشعر، يتسبب في قتل الخلايا الحيوية داخلها.

ورغم هذا الضرر، إلا أن الخلايا الجذعية المسؤولة عن تجديد البصيلات تبقى سليمة، مما يجعل الشعر قابلاً للنمو من جديد بمرور الوقت.

المرحلة الثانية: الجهاز المناعي يهاجم بصيلات الشعر من جديد

لكن الضرر لا يتوقف هنا. فقد استخدم العلماء تقنية تصوير متقدمة مكّنتهم من رؤية بصيلات الشعر بعد أن دُمّرت بالنورأدرينالين. وظهرت البصيلات وكأنها خضعت لعملية نخر خلوي (Necrosis).

المفاجأة كانت أن الجسم بدأ في التعامل مع هذه الخلايا وكأنها أجسام غريبة، مما فعّل ردود فعل مناعية قوية.

هذه الاستجابة أدت إلى:

تنشيط الخلايا التائية ذاتية التفاعل (Autoreactive T-cells)

شنّ هجمات مناعية متكررة على بصيلات الشعر

بدء حلقة من الهجمات المناعية الذاتية التي تعيق نمو الشعر مجدداً

وهنا يتحول التوتر من مجرد عامل مؤقت إلى سبب محتمل لاضطرابات مناعية دائمة.

التوتر قد يكون مفتاح فهم أمراض المناعة الذاتية

يرى الباحثون أن الآلية المكتشفة لا تقتصر على تساقط الشعر فقط، بل قد تساعد في فهم أمراض مناعية خطيرة مثل:

الذئبة (Lupus)

التصلب المتعدد (MS)

السكري من النوع الأول

ويعتقد العلماء أن هذه الأمراض تحتاج إلى “تريغر” أو محفّز أولي، وقد يكون التوتر أحد أهم هذه المحفزات، بغضّ النظر عن العوامل الوراثية.

نحو تعاون علمي أوسع

يشير الباحثون إلى أن التعاون بين علماء الأعصاب، والمناعيين، وعلماء الأحياء سيكون مفتاحاً لفهم العلاقة بين التوتر ونشوء أمراض المناعة الذاتية. كما يؤكدون أن نمط الحياة والضغوط اليومية قد يكون لهما تأثير أكبر مما نتخيل على صحة الإنسان.