النظام الرسمي العربي، النكبة المتجددة وحليمة!
مقالات
النظام الرسمي العربي، النكبة المتجددة وحليمة!
حليم خاتون
6 كانون الأول 2025 , 07:05 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:

كيف يفكر عزمي بشارة وخالد مشعل بعد النتائج "الباهرة!!!" للربيع العربي؟

بعد فلسطين وسوريا، ها هو المشهد ينتقل إلى لبنان بسرعة!

بدأ الرهان على شراء الأراضي في الجنوب السوري والجنوب اللبناني!

هل تذكرون ذلك الإماراتي الذي دفع عشرين مليون دولار من اجل دكان صغير جدا ملاصق للأقصى؟

تبين أن إبن الكلب ذاك لم يكن سوى واجهة لشركة صهيونية أميركية تشتري املاك العرب لصالح المستوطنين!...

أمس بدأت المفاوضات المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي؛

بضغط اميركي سعودي، رضخ جوزيف عون...

نواف سلام لم يكن يحتاج أي ضغط...

هذا السعدان من ذلك القرد!

الاقتراح الأميركي الإسرائيلي بسيط جدا، وبريء جدا جدا...

على الطاولة أمام مندوب جوزيف عون مشروع لشراء الأراضي في جنوب لبنان من قبل إماراتيين وسعوديين...

يعيد عكاريت العرب تركيب النكبة الثانية؛

ماذا عن اللبنانيين؟

كيف تفكر السلطة؟

في لبنان،

"رجعت حليمة لعادتها القديمة!"

من الوصاية الأوروبية أثناء الاحتلال العثماني إلى الوصاية الفرنسية مع الانتداب الفرنسي إلى الوصاية الأميركية بعد مرحلة قصيرة من النفوذ البريطاني، كان لبنان دائما ينحني أمام الآخرين...

قوة لبنان في ضعفه...

لا ضرورة لوجود جيش...

لا ضرورة لبناء مؤسسات...

عندما نتلقى صفعة على خدنا الأيمن، ندير الأيسر حتى يتورم الخدان...

تقضم إسرائيل الأمتار تلو الأمتار منذ ٤٨، والسلطة تعتقل من يجرؤ على الكلام عن هذا إلى أن ضاعت كيلومترات ومزارع وتلال وجبال...

يقتل العدو أكثر من ثمانين قرويا في حولا، فتتحدث السلطة عن أحداث متفرقة في الجنوب...

يقوم كوماندوس إسرائيلي بتدمير كامل اسطول الميدل إيست على أرض مطار بيروت سنة ٦٨ قبل أن تُرفع أنخاب الشمبانيا من السوق الحرة للمطار، فتقوم السلطة اللبنانية باعتقال جندي رفع مسدسه في وجه العدو بتهمة مخالفة الأوامر العسكرية التي كانت تتلخص بقبول القدر الإسرائيلي...

منذ السابع والعشرين من نوفمبر ٢٠٢٤ عادت السلطة اللبنانية إلى نفس الموقع، ونفس الوضعية...

مع فرق بسيط بين مرحلة ما قبل الحرب الأهلية والمرحلة الحالية...

قبل الحرب الأهلية كانت هناك سلطة يمينية وأحزاب مرحبا فاشية مقابل أحزاب وطنية وقومية وحركات تحرر وطني...

يعني السلطة والفاشيون في مكان والشعب في مكان آخر...

أما الآن؛ وبفضل حركة فتح التي اتحفت الشعب الفلسطيني بسلطة محمود عباس ومعارضة محمد دحلان؛ اتحفتنا هذه الحركة بنواف سلام، يعاونه بأمر أميركي مباشر مجموعة من العملاء في المصرف المركزي، في القضاء، في الحكومة، في المؤسسات الأمنية مع هدف واحد: منع اي انفصام كان موجودا في السابق بين السلطة العميلة وما تبقى من أحرار في هذا الشعب المسكين...

في السبعينيات، أثناء الحرب الأهلية، كان اليساري الذي يتحدث عن تحرير فلسطين يوصم بالجنون والهبل او بأحلام اليقظة...

استطاعت أميركا كي وعي الشعوب العربية ليس عبر هزيمة حزيران او اجتياح ٨٢ لبيروت؛ بل عبر جر الزعامات العربية كالعبيد والحيوانات في كامب ديفيد، ووادي عربة، وبالأخص، مع اتفاق أوسلو...

في طريقه لتوقيع أوسلو، اقترب البروفيسور إيلان بابيه من ياسر عرفات في الطائرة وحاول بشتى الوسائل إقناع الختيار الذي تعب من الحرب بعدم التوقيع على أساس أن العالم يستطيع قتل الفلسطينيين وذبح النساء والأطفال، لكنه لن يستطيع إعلان النصر إذا لم يحصل على توقيع صك استسلام...

لكن الختيار الذي تلقى الطعنات تلو الطعنات من النظام الرسمي العربي ظن أنه أكثر ذكاء من الأميركيين ويستطيع الحصول ولو على سيارة يرفرف على جانبها علم فلسطين...

إنه الجري وراء سراب سلام مستحيل...

لم يفهم العرب، ولا فهم اللبنانيون يوما أن الصراع العربي الصهيوني هو على الوجود وليس على الحدود...

أن تتراجع السلطة في لبنان وتزيد جرعة الخضوع للأميركي، وترفع رجليها للإسرائيلي مجددا ليس أمرا جديدا...

هي فعلت ذلك عشرات آلاف المرات منذ تأسيس الكيان سنة ٤٨...

لكن المقاومة التي بدأت فردية في قرى الحافة الأمامية والتي كان أشهرها تصدّي راعِِ من كفركلا لدورية صهيونية مع بندقية صيد قبل أن يُستشهد، فتحت الطريق لآلاف المقاومين الذين ساروا على هذه الدرب...

ما قامت أميركا بتأمينه للكيان، مكّن هذا الأخير من التعامل معنا كما كان يفعل رعاة البقر مع سكان القارة الأميركية الأصليين...

كانت الطائرات تغير علينا من مسافات لا يستطيع سلاح المقاومة الوصول إلى نصفها؛ دوشكا وم.ط. مقابل الفانتوم والأباتشي...

لكن، رغم كل ذلك، ومع الوقت توصلت المقاومة في لبنان إلى فرض نوع من أنواع التوازن وتحقيق حد ادنى من الردع...

قمة فعالية هذه المقاومة تجلت مع تفاهم نيسان سنة ٩٦، وتحقيق تحرير معظم الأرض اللبنانية سنة ٢٠٠٠...

حوالي عقدين من الزمن مرا قبل أن يستطيع حزب الله فرض العزة والكرامة والشرف فرضا على السلطة اللبنانية التي لم تختلف عن كل النظام الرسمي العربي ومنظمة التحرير في اللهاث وراء سراب سلام لا تريده إسرائيل وتقديم عروض والتعلق بها حتى اليوم رغم قول شارون منذ مؤتمر بيروت إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به...

هنا بدأ التحايل ومحاولات جر الحزب إلى قفص السلطة والمال والنفوذ...

لم يدخل حزب الله إلى السلطة في لبنان من الباب العريض ويفرض مفهومه حول بناء دولة القانون؛ على العكس تماما من ذلك، دخل إلى السلطة بصفة مذهبية كانت كفيلة لتجريده من الحكمة الثورية والفعل الثوري...

لعل أول انزلاق وقعت فيه المقاومة، هو يوم بدأت التعامل مع السلطة اللبنانية واستقبال وفود من النظام الرسمي العربي...

حتى أوائل التسعينيات، كان الوضع جيدا لأن المقاومة كانت مبدئية لا تساوم...

لكن العفن بدأ يطرق باب المقاومة شيئا فشيئا إلى أن خرجت سوريا من لبنان ووجد حزب الله نفسه مضطرا إلى دخول هذه السلطة من بابها التنفيذي...

أولى المساومات حصلت في الإتفاق الرباعي الذي كان خماسيا في واقع الحال مع اتفاقات وتفاهمات تحت الطاولة مع حزب القوات اللبنانية...

ثم كرت سبحة التنازلات حتى وصلنا إلى الدوحة ووافقنا على تكريس نظام التقاسم الطائفي ما جعل المقاومة جزءا من التركيبة الطائفية بدل أن تكون فوق كل الفروقات وفوق كل الطوائف...

استمر نزيف التنازلات حتى وصلنا إلى الترسيم البحري حين أعلنت المقاومة وقوفها خلف "الدولة"، والمقصود هنا السلطة...

كان شعار الوقوف خلف "الدولة!" شعارا رجعيا بامتياز وقد أدى ليس فقط إلى خسارة مساحات شاسعة في البحر، بل أدى إلى الاعتراف الضمني بالعدو وتغطية المفاوضات معه...

الوقوف خلف "الدولة!" هو قمة التنازل والانبطاح والرضوخ للضغوط الأميركية...

وافق الحزب على مفاوضات الترسيم تحت الضغوط الاقتصادية التي وقع فيها البلد في ظل حصار خانق ونزف مالي مدبر...

إذا كنا نعيب على الرئيس جوزيف عون الرضوخ للضغوطات فإن حزب الله سبقه إلى هذا الخضوع يوم وقف "خلف الدولة!!!"؛ والمقصود بالدولة هنا، السلطة...

يمكن القول إن أهم التنازلات حصلت يوم وضع حزب الله كل إمكانياته خلف سلطة كانت دوما وابدا سلطة تسكع وتبعية وخضوع لاملاءات الغير...

السلطة في لبنان كانت معظم الوقت سلطة عميلة للاحتلال الغربي سواء كان ذلك مباشرة او غير مباشرة...

ثم ما لبثت خطوات التنازل أن كبرت شيئا فشيئا إلى أن رضخ الحزب لاتفاق وقف النار في ٢٧ نوفمبر واستسلم فعليا بعد أن سلم الأمور لسلطة عميلة للأميركيين تحت ذريعة المشاركة في هذه السلطة...

وزراء الثنائي ليسوا "غير شكل"؛ هم نسخة ملطفة عن يوسف رجّي...

أما آخر ابتكارات الاميركيين في تنصيب العميل اليميني سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني داخل الميكانيزم؛ هذا يمثل صورة واضحة عن حكومة فيشي بقيادة الجنرال بيتان في ظل الاحتلال الألماني...

كل الكلام حول وعود اميركية بإيقاف الحرب في حال الاستجابة لمطالب أميركا ليس أكثر من خطوة تنازل أخرى سوف تستجلب مزيدا من التنازلات إلى أن يقف لبنان عاريا تماما وفي وضعية المفعول به...

عندما تكون شريكا للعميل؛ قلة فرق...

تصبح إما عميلا مباشرا او عميلا بالصمت والقبول والخضوع...

تستطيع ابواق المقاومة الصراخ من الآن وحتى صياح الديك...

كل ما يجري من استسلام تتحمل المقاومة المسؤولية عنه عبر التواجد في سلطة حكومة فيشي ورئاسة الجنرال جوزيف عون التي لا تختلف في شيء عن رئاسة الجنرال بيتان للسلطة الفرنسية التابعة للاحتلال الألماني النازي أثناء الحرب العالمية الثانية...

هناك من يعتقد أن في هذا الكلام الكثير من القساوة على المقاومة التي قدمت آلاف الشهداء...

بكل أسف؛ أن ما يجري الآن هو خيانة موصوفة لدماء كل هؤلاء الشهداء...

للمرة الأخيرة نتوجه إلى قيادة المقاومة بهذا القول العظيم:

انسحبوا من السلطة وانزلوا تحت الأرض وعودوا إلى اصولكم الثورية...

الاميركيون هم العدو...

والسلطة العميلة للأميركيين هي عدو بطبيعة الحال...

تستطيع أميركا قصفنا وقتلنا وحرقنا مباشرة او غير مباشرة عبر وكلائها من الصهاينة اليهود والصهاينة العرب، لكنها لن تستطيع إعلان النصر طالما هناك رصاصة تُطلق، وطالما هناك عزيمة تقاتل وترفض الاستسلام...

على هذه المقاومة أن تعود الى جذورها الحسينية وتقتدي بهذه السيرة عملا وليس ندبا وكلاما ليس عليه جمرك...

"نعم يستطيع العالم سحقي لكنه لن يستطيع الحصول على توقيعي...

حليم خاتون