عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
يواصل مجرم الحرب المُدان نتنياهو إطلاق تهديداته باتجاه لبنان وسوريا، متجاهلًا حقيقة يعرفها قادة الجيش الإحتلال قبل غيرهم: "أن المؤسسة العسكرية تعاني انهيارًا بشريًا خطيرًا يجعلها غير قادرة على خوض حرب طويلة أو فتح جبهات إضافية".
ففي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 كشفت صحيفة معاريف أن الجيش يعاني نقصًا يقارب 12 ألف جندي، بينهم 9 آلاف مقاتل وثلاثة آلاف في مهام مساندة، وهو رقم يعادل فرقة قتالية كاملة خرجت من الخدمة.
كما أشار المراسل العسكري آفي أشكنازي إلى أن الجيش “أُنهِك بعد عامين وشهرين من القتال على سبع جبهات”، وأن الضباط يعانون الإرهاق، فيما يطمح الجنود للهرب من الخدمة والعودة لحياتهم المدنية.
وفي 1 كانون الأول/ديسمبر 2025 قدّم جيش الإحتلال تقريرًا خطيرًا إلى رئيس الأركان إيال زامير، أكد فيه أن المؤسسة العسكرية تواجه "أزمة حقيقية في القوى البشرية تهدد الجاهزية العملياتية وتمس بالأمن القومي"؛ وبيّن التقرير بوجود نقص يُقدَّر بـ 1300 ضابط من ملازم حتى نقيب، إضافة إلى 300 رائد مفقودين من الوحدات القتالية. والأخطر أن هذا الإنهيار يأتي بالتزامن مع الجدل حول إعفاء الحريديم من الخدمة، مما يزيد التوتر داخل المؤسسة العسكرية ويُضعِف قدرتها على التجنيد.
ولم يقتصر التحذير على المؤسسات الرسمية؛ ففي 01 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أكد جنرال الاحتياط إسحاق بريك—وهو من أبرز من انتقدوا أداء الجيش—أن إسرائيل تواجه “أخطر أزمة بشرية في تاريخها”، مشيرًا إلى “هروب آلاف الضباط وضباط الصف ورفض آخرين تجديد خدمتهم” خلال الأشهر الماضية. كما نقلت وسائل إعلام عبرية أرقامًا صادمة: 923 قتيلًا عسكريًا خلال حرب الإبادة على غزة، و6399 جريحًا، ونحو 20 ألف جندي يعانون أعراض ما بعد الصدمة، وسط رقابة عسكرية تمنع نشر الأرقام الحقيقية للحفاظ على المعنويات.
ومع هذا الانهيار البنيوي، يخطط الجيش لتعويض جزء من النقص عبر استدعاء الاحتياط لمدة 60 يومًا خلال عام 2026، بينما تواصل الوحدات الميدانية فقدان جنودها بعد دورتين أو ثلاث دورات قتالية، إمّا بسبب الإجهاد أو الانتقال إلى وظائف أقل ضغطًا، ما يشير إلى تفكك متسارع في بنية الوحدات القتالية.
وإلى جانب الانهيار العسكري، تواجه إسرائيل أزمة نفسية–اجتماعية غير مسبوقة في تاريخها المعاصر. فمنذ اندلاع حرب الإبادة على غزة في أكتوبر 2023، ارتفعت الإصابات النفسية إلى مستويات كارثية. وبحسب نائبة رئيس قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع، تمار شمعوني، فقد عالجت الوزارة 62 ألف حالة مساء 7 أكتوبر 2023، وارتفع العدد اليوم إلى 85 ألف حالة، أي بزيادة “غير مسبوقة”، مشيرة إلى أن ثلث جنود الجيش يعانون اضطرابات نفسية مباشرة بعد أحداث 7 أكتوبر.
ولم يعد الجهاز الصحي الإسرائيلي قادرًا على الاستجابة؛ إذ أصبح المعالج الواحد يتعامل مع 750 مراجعًا بينما المعدل الطبيعي يتراوح بين 6 و10 مراجعين كحد أقصى .
وفي بعض المناطق وصلت إلى أرقام أعلى، ما يعني عمليًا إنهيار القدرة العلاجية، وترك عشرات آلاف الجنود دون متابعة نفسية. كما حذّرت يديعوت أحرونوت من "أزمة نفسية واسعة"، تشمل ارتفاع الإدمان وتعاطي المخدرات وحاجة مليوني شخص لدعم نفسي، بينهم عدد كبير من الجنود والاحتياط وعائلاتهم.
فإن طول الخدمة، الغياب الطويل عن العائلة، تآكل الروح القتالية وامتداد الحرب على سبع جبهات عوامل دفعت ليس فقط الجنود، بل المجتمع الإسرائيلي بأكمله نحو حافة الانهيار الاجتماعي. وحتى عائلات جنود الاحتياط باتت تعاني اضطرابات حادة بسبب غياب المعيل، وتفاقم الصدمات، وفقدان الثقة بالدولة وبالقيادة السياسية والعسكرية التي ورّطتهم في حرب لا نهاية لها.
والوضع الأخطر هو أزمةنفسية–اجتماعية غير مسبوقة…… جيش فقد القدرة على الصمود، والمجتمع ينهار معه .
ففي الوقت الذي يحاول نتنياهو تصدير صورة قوة وتهديد الشمال، تقف إسرائيل اليوم أمام جيش بلا جنود، وضباط يهربون، ومجتمع ينهار نفسيًا.
وإن تهديد لبنان وسوريا بجيشٍ مفكك وإرهاق نفسي جماعي لا يعكس قوة، بل يكشف هشاشةٍ تاريخية تضرب بنية الدولة من الداخل وتجعل كل تهديداتها مجرد ضوضاء سياسية تهدف إلى رفع المعنويات المنهارة.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
07 كانون الإول/ديسمبر 2025