أعلن باحثون عن حالة جديدة وغريبة من المادة تجمع بين خصائص السائل والصلب في الوقت نفسه. هذا الاكتشاف غير المتوقع يُرجَّح أن يكون له تأثير واسع في مجالات حيوية مثل الصناعات الدوائية، والطيران، والبناء، والإلكترونيات.
عندما لا تتحرك كل الذرات في السائل
لطالما اعتقد العلماء أن الذرات في السوائل تكون في حركة دائمة وعشوائية. لكن الدراسة الجديدة كشفت أن ليس كل الذرات في السائل تتحرك، إذ تبيّن أن بعض الذرات تبقى ثابتة في أماكنها، وقادرة على احتجاز سائل كامل داخل حالة فائقة التبريد ذات خصائص غير مألوفة.
ويأتي هذا الاكتشاف نتيجة تعاون علمي بين باحثين من جامعة نوتنغهام البريطانية وجامعة أولم الألمانية.
لغز حركة المادة: لماذا السوائل هي الأكثر غموضا؟
من الناحية التقليدية، تُصنَّف المادة إلى ثلاث حالات رئيسية:
الحالة الصلبة: بنية منتظمة وثابتة
الحالة الغازية: حركة عشوائية وحرية كبيرة
الحالة السائلة: تقع في المنطقة الرمادية بينهما
ورغم وضوح خصائص الصلب والغاز، ظلت السوائل الأكثر غموضا، حيث تتحرك الذرات باستمرار في تفاعل معقّد يشبه حشدا مزدحما لا يهدأ.
وتُعد لحظة تحول السائل إلى صلب عاملا حاسما إذ تحدد:
البنية النهائية للمادة
خصائصها الوظيفية
وهي عملية أساسية في ظواهر مثل:
تكوّن المعادن
تشكّل الجليد
طيّ البروتينات الليفية في الجسم.
تجربة دقيقة تكشف المفاجأة
لاستكشاف هذه المرحلة الحرجة، استخدم الدكتور كريستوفر لايست مجهرا إلكترونيا فريدا منخفض الجهد يُعرف باسم SALVE في جامعة أولم.
وأوضح الباحثون أنهم:
قاموا بإذابة جسيمات نانوية من معادن مثل البلاتين والذهب والبلاديوم
وُضعت هذه الجسيمات على طبقة رقيقة جدا من الغرافين
كان الغرافين يعمل كـ:
سطح تسخين
ودعامة ذرية رفيعة
ومع ذوبان الجسيمات، بدأت الذرات بالتحرك كما هو متوقع، لكن المفاجأة كانت أن بعض الذرات بقيت ثابتة تماما
ذرات ثابتة عند درجات حرارة عالية
حتى عند درجات حرارة مرتفعة جدا، ظلّت هذه الذرات:
مرتبطة بقوة بما يُعرف بـ العيوب النقطية في الغرافين
غير قابلة للحركة
واستخدم الباحثون شعاعا إلكترونيا لزيادة عدد هذه العيوب، ما أتاح لهم تحكما غير مسبوق في عدد الذرات الثابتة داخل السائل المعدني.
الحظيرة الذرية: مرحلة جديدة من المادة
هذا التحكم الدقيق قاد إلى اكتشاف مذهل:
عندما يكون عدد الذرات الثابتة قليلا، يتصلب المعدن بشكل طبيعي
لكن عندما يزداد عددها، خاصة إذا شكّلت بنية حلقية، تتعطل عملية التصلب
في هذه الحالة:
يُحتجز السائل داخل ما يشبه حظيرة ذرية
ويبقى في حالة سائلة حتى عند درجات حرارة أقل بكثير من نقطة تجمده الطبيعية
بلاتين سائل عند حرارة مستحيلة
أوضح البروفيسور أندريه خلوبيستوف من جامعة نوتنغهام أن:
البلاتين يمكن أن يبقى سائلا حتى 350 درجة مئوية فقط
أي أكثر من 1000 درجة مئوية أقل من درجة تجمده المعتادة
وعندما يتصلب السائل المحاصر أخيرا:
يتحول إلى صلب غير متبلور
يشبه الزجاج
وهو شكل غير مستقر
ولا يعود المعدن إلى بنيته البلورية الطبيعية إلا بعد تحطيم هذا القيد الذري.
إنجاز علمي غير مسبوق
يُعد هذا الاكتشاف اختراقا علميا كبيرا، إذ:
سبق للعلماء أن استخدموا مفهوم “الاحتجاز” مع الفوتونات والإلكترونات
لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها احتجاز ذرات كاملة بهذه الطريقة
آفاق تطبيقية واسعة
يفتح هذا الاكتشاف آفاقا جديدة، من أبرزها:
تصميم محفزات ذاتية التنظيف أعلى كفاءة وأطول عمرا
استخدام أكثر كفاءة للمعادن النادرة
دعم تقنيات الطاقة النظيفة
تحسين أنظمة تحويل الطاقة وتخزينها
يمثل هذا الاكتشاف تحولا جذريا في فهمنا لحالات المادة، ويثبت أن:
الحدود بين السائل والصلب ليست مطلقة
ويمكن التحكم بها على المستوى الذري
وهو ما قد يقود إلى جيل جديد من المواد الذكية بتطبيقات صناعية وطبية وتقنية غير مسبوقة.