الكشف عن آلية جينية تساعد الخلايا على التكيف مع مرض ترنح فريدريك
منوعات
الكشف عن آلية جينية تساعد الخلايا على التكيف مع مرض ترنح فريدريك
11 كانون الأول 2025 , 13:26 م

توصل فريق من العلماء إلى اكتشاف علمي غير متوقع يكشف عن نقطة ضعف جينية في مرض وراثي نادر يُعرف باسم ترنح فريدريك (Friedreich’s Ataxia)، وهو اضطراب شديد الخطورة يؤثر في الجهاز العصبي والقلب والعضلات. ويُعد هذا الاكتشاف خطوة مهمة قد تمهد لتطوير علاجات أكثر فاعلية في المستقبل.

الدراسة أُجريت على يد باحثين من Mass General Brigham ومعهد برود (Broad Institute)، ونُشرت في مجلة Nature العلمية بتاريخ 10 ديسمبر 2025.

ما هو ترنح فريدريك؟

ترنح فريدريك هو مرض وراثي نادر يُصيب عادة الأطفال والمراهقين بين سن 5 و15 عاما، ويؤدي إلى:

ضعف تدريجي في الحركة والتوازن

تدهور في الجهاز العصبي

مشكلات قلبية خطيرة

وغالبت ما لا يتجاوز متوسط العمر المتوقع للمصابين مرحلة البلوغ المبكر أو منتصف العمر، وحتى الآن لا يوجد علاج معتمد قادر على إيقاف المرض أو عكس تقدمه، كما أن العلاجات الحالية لا تُظهر فعالية متساوية لدى جميع المرضى.

السبب الجذري للمرض: غياب بروتين حيوي

ينشأ المرض نتيجة نقص بروتين أساسي يُسمى فراتاكسين (Frataxin)، وهو ضروري لعمل الميتوكوندريا (محطات الطاقة في الخلية)، يلعب هذا البروتين دورا محوريا في تكوين عناقيد الحديد والكبريت، وهي مكونات حيوية لإنتاج الطاقة الخلوية.

وفي دراسات سابقة، تبيّن أن تعريض الخلايا والكائنات الحية لنقص الأكسجين (الهيبوكسيا) يمكن أن يخفف جزئيا من آثار فقدان هذا البروتين.

استخدام نقص الأكسجين كأداة بحثية

بدلا من استخدام نقص الأكسجين كعلاج مباشر، استخدمه الباحثون كأداة لاكتشاف عوامل جينية قادرة على تعويض غياب الفراتاكسين.

ويقول الباحث الرئيسي جوشوا مايزل: “لم نستخدم نقص الأكسجين كعلاج، بل كوسيلة مخبرية للكشف عن جينات قادرة على كبح آثار المرض، وهذا ما يجعل الاكتشاف مثيرا، لأن الجين الذي حددناه يمكن استهدافه بأدوية تقليدية”.

تجارب على الديدان تكشف الجين المفاجئ

أجرى الفريق تجاربه على ديدان مجهرية تُعرف باسم C. elegans، حيث تم تعديلها وراثيا لإزالة بروتين الفراتاكسين بالكامل، وبمراقبة الديدان التي نجت في ظروف صعبة، اكتشف الباحثون طفرات في جينين ميتوكوندريين هما:

FDX2

NFS1

وأظهرت التحاليل اللاحقة أن هذه الطفرات تساعد الخلايا على الاستمرار في إنتاج الطاقة رغم غياب الفراتاكسين

كيف يساعد تقليل FDX2 الخلايا على البقاء؟

كشفت الدراسة أن:

زيادة بروتين FDX2 تُعيق تكوين عناقيد الحديد والكبريت

تقليل مستوى FDX2 يعيد التوازن الخلوي

إزالة نسخة واحدة فقط من الجين كافية لتحسين وظيفة الخلايا

ويشرح الأستاذ فامسي موثا، المشرف الرئيسي على الدراسة: “التوازن بين الفراتاكسين وFDX2 بالغ الأهمية. عندما يكون الفراتاكسين منخفضا، فإن تقليل FDX2 قليلا يساعد الخلية على استعادة استقرارها الحيوي”.

نتائج واعدة على نماذج حيوانية

عند تطبيق هذه الاستراتيجية على نماذج فئران مصابة بترنح فريدريك، لاحظ الباحثون:

تحسنًا ملحوظا في الأعراض العصبية

أداءً أفضل للخلايا والأنسجة

وهو ما يُعد دليلا أوليا قويا على إمكانية تحويل هذا الاكتشاف إلى علاج فعلي مستقبلي.

آفاق علاجية وتحديات مستقبلية

رغم النتائج المشجعة، يؤكد العلماء أن:

التوازن المثالي بين الفراتاكسين وFDX2 قد يختلف من شخص لآخر

هناك حاجة إلى دراسات أعمق لفهم الآليات بدقة

يجب إجراء أبحاث ما قبل التجارب السريرية للتأكد من السلامة والفعالية.

لكن الدراسة تفتح الباب أمام نهج علاجي جديد يقوم على تعديل الشبكات الجينية بدلًا من محاولة تعويض البروتين المفقود مباشرة.

يمثل هذا الاكتشاف قفزة نوعية في فهم مرض ترنح فريدريك، ويقترح استراتيجية مبتكرة تعتمد على خفض مستوى جين معين لمعادلة الخلل الوراثي. ومع استمرار الأبحاث، قد يتحول هذا النهج إلى أمل حقيقي للمرضى الذين يفتقرون حاليًا إلى خيارات علاجية فعالة.

المصدر: مجلة Nature العلمية