دولة الكيان الصهيوني اسرائيل قالب البوظة اليورو امريكي في الشرق الاوسط،يتراءى للناظر من خلف زجاج المجمدة جميلا ومغريا.مكونات هذا الكيان في التنوع كما مكونات البوظة يهود من ذوي اصول اوروبية غربية وشرقية،ومن يهود الوطن العربي والشرق الاوسط ويهود اسيا وافريقيا،والفلسطينيين الذين تشبتوا بالارض ولم يغادروها بعد عملية التطهير العرقي والتهجير القسري لاكثر من 750 الف فلسطيني وتدمير ومحو من الوجود لاكثر من 525 بلدة وقرية.عام 1948 عام تاسيس وقيام الدولة الصهيونية على الارض الفلسطينية ( الدولة اليهودية ).لكن مجتمع المستوطنين هذا بلا ثقافة جامعة تحدد هويته الثقافية التي تتميز بها المجتمعات البشرية في اقطار العالم.وبما ان الثقافة في ابسط تعريفاتها هي تصور يحتوي على عملية تكرير وتصفية وعناصر رفع ورقي وكل مجتمع لديه خزان احسن معرفته وفكره.وفي تعريف اخر غير بسيط،يرى ان الثقافة مسرح الحياة الذي تحتكره وتنفرد به عرقية ودين وقومية.واذا ما اخذنا بهذا التعريف على ان الثقافة مسرح تنخرط فيه وتشترك القضايا السياسية والايديولوجية،بعيدا عن كونه عالم هادئ ورقيق،تصبح الثقافة ساحة المعركة التي يؤدي تعرضها للظهوروالنزاع مع بعضها البعض.
* المجتمع الاستيطاني الصهيوني المتنوع وان نجحت الدولة في اعتماد اللغة العبرية كلغة حية على حساب اللهجات المحلية التي ميزت اليهود في مجتمعاتهم الاصلية قبل الاستيطان في فلسطين.بعد مضي اكثر من سبعة عقود على قيام الدولة،فشل المستوطنون في الاندماج والانصهار بسبب تجذر الثقافات التي اكتسبوها عبر القرون من المجتمعات التي عاشوا بينها.شكل الاندماج في ثقافة واحدة مميزة لمجتمع المستوطنين التحدي الرئيسي لدولة الكيان،وخاصة بعد هجرة يهود الاتحاد السوفياتي الذين تشربوا الثقافة الروسية بكل ما فيها من الادب والمسرح والغناء ونمط العيش.لقد تعمقت الهوة الفاصلة بين اليهود الاشكينازالذين تعود اصولهم الى اوروبا الوسطى والشرقية ويتميزون باللهجة اليديشية والسفارديم والتمييز العنصري بينهما.بالاضافة الى التمييز العنصري بينهما وبين يهود العالم الشرق اوسطي والفلاشا من اثيوبيا.ان اكثر ما يعري هشاشة هذا الكيان المتمثلة في الفشل في الاندماج والانصهار في بوتقة ثقافية واحدة،هو الفشل في عملية الجمع بين الديموقراطية ويهودية الدولة هي سردية لا تصمد امام الاسس الديموقراطية الحقة التي تقوم على معاملة المواطنين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات.
* خاض الكيان الصهيوني بعد قيامه عام 1948 واعتراف دول العالم به ثلاث حروب.شارك في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 جنبا الى جنب مع بريطانيا وفرنسا.وحرب السادس من حزيران/يونيو عام 1967 وحرب تشرين الاول/اكتوبر عام 1973. لم تسهم هذه الحروب الثلاث في تغيير الراي العام العالمي تجاه اسرائيل لان اسرائيل نجحت من خلال سيطرتها على اجهزة الاعلام في تصويرها على انها حروب الدفاع عن النفس.ومنذ ستينيات القرن الماضي وابان رئاسة لندون جونسون للولايات المتحدة الامريكية اكدت اسرائيل على نجاعة دورها الوظيفي كقاعدة متقدمة للمركز الامبريالي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكيةالامبريالي في الشرق الاوسط.
ولتعزيز دعم الولايات المتحدة في الاستمرار في الرهان على هذه القاعدة،اعتمدت اسرائيل بناء ثلاث ركائز اساسية:
الركيزة الاولى: لجنة الشؤون العامة الامريكية ( ايباك ) وهي مجموعة ( لوبي ) ضغط تدافع عن السياسات المؤيدة لاسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة الامريكية.
الركيزة الثانية:مجموعة المسيحية الصهيونية،التي تعود اصولها الى بدايات القرن التاسع عشر، القائمة على العقيدة التي تبنتها الكنائس الانجيلية على ضفتي الاطلسي ( اوروبا وامريكا ).العقيدة كانت بسيطة ومباشرة.هي ان تجعل من الواجب على المسيحيين المساعدة على عودة اليهود الى فلسطين واقامة دولتهم فيها.وعودة اليهود في نظرهاجزء من خطة الهية لعودة المسيح وبعث الموتى وتحويل اليهود الى المسيحية،والا سيشوون في نار جهنم.لم تنتظر هذه الكنائس يوم القيامة وبعث الموتى لهذا التحول وراحت تنشط بشكل فعال في هداية اليهود داخل اسرائيل للمسيحية.لعبت هذه الكنائس ادوارا مهمة في الحفاظ على العلاقات المتميزة والجيدة بين اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.وتعتبر اهم الركائز التي تقوم عليها العلاقات مع اسرائيل.تنظم المسيحية الصهيونية هذه الايام حملة قوية تدعو الى ارسال اكثر من الف سفير لاسرائيل لانقاذها من ورطتها وتحسين صورتها.
اما الركيزة الثالثة:هي مجمع الصناعات العسكرية ( المجمع الحربي ) ولوبياته في الكابتول هيل التي لديها مركز قوة ايديولوجي في مركز الابحاث الخاص بالمحافظين الجدد.تحصل اسرائيل من امريكا على ثلاثة بلايين دولار سنويا للمساعدات العسكرية.وعليه فان مجمع الصناعات العسكرية لديه مصالح في الحفاظ على علاقات ممتازة مع اسرائيل.وهو يدفع دائما الى تاجيج الصراعات التي تؤدي الى طلب المزيد من الاسلحة..
* بالعودة الى حروب اسرائيل فهي تشن حربا مستمرة بلا انقطاع على الشعب الفلسطيني تتمثل في مصادرة الاراضي وبناء المستوطنات والاعتقالات العشوائية والاعتداء على المواطنين الامنين في ارزاقهم وبيوتهم ووسائل عيشهم.ففي الضفة الغربية اكبر حملة عدوانية تتجسد في تهويد ما تسميه اسرائيل بيهودا والسامرة والسيطرة التامة على مدينة القدس .وعلى جبهة قطاع غزة تقوم اسرائيل بحصار خانق
`
على القطاع وشنت عليه اكثر من واحد وعشرين حملة عسكرية راح ضحيتها الاف المدنيين من كافة الفئات والحقت دمارا في البنية التحتية الهشة اصلا وشددت الحصار البحري على الصيادين في بحر غزة.اما على الجبهة اللبنانية،فان مسلسل الاعتداءات الاسرائيلية لم ينقطع منذ الثامن والعشرين من كانون الاول/ ديسمبر عام 1968 الذي هاجمت فيه قوات الكوماندوز الاسرائيلية مطار بيروت الدولي ونسفت ودمرت اسطول النقل الجوي المدني الخاص بشركة طيران الشرق الاوسط- ميا)اسفر عن تدمير 13 طائرة لنقل الركاب وطائرة شحن واحدة.واستمر مسلسل الاعتداءات الاسرائيلية المتكرر على لبنان حتى صيف عام 1982 الذي اجتاحت فيه القوات الاسرائلية لبنان واحتلت بيروت الشرقية التي استقبلها الاهالي بنثر الورود وحب الارز.ودخل الجنرال شارون القصر الرئاسي وجلس على كرسي الرئيس واضعا قدميه على الطاولة.حاصرت القوات الاسرائيلية بيروت الغربية التي تضم منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقومة الفلسطينية والوطنية اللبنانية واللواء 81 السوري وبعد اتفاق فيليب حبيب وياسر عرفات غادرت القوات الفلسطينية لبنان الى المنافي وتقدمت القوات اللبنانية بحماية شارون وارتكبت افظع مجزرة في مخيمي صبرا وشاتيلا راح ضحيتها 3500 لاجيء فلسطيني .
نزلت قوات الناتو والمارينز الامريكية في بيروت الا انها ما لبثت حتى وقعت هي والقوات الاسرائيلية تحت ضربات المقاومة العنيفة ادى الى انسحابها من بيروت،واحتفظت القوات الاسرائيلية بجيب عميل في الجنوب الذي حررته المقاومة الاسلامية والوطنية اللبنانية في ايار عام 2000 .وعادت الحرب على لبنان في صيف عام 2006 التي استمرت لمدة 33 يوما انتهت بهزيمة مدوية لجيش الكيان مما ادى الى استقالة رئيس الوزراء اولمرت وتشكيل لجنة تحقيق في اسباب الهزيمة.
هذا المسلسل الطويل من الاعتداءات الاسرائيلية على فلسطين ولبنان الذي بثته الفضائيات التلفزيونية ودخل معظم البيوت في العالم وخاصة الجرائم ضد المدنيين ابان الانتفاضة الفلسطينية الاولى والثانية التي نقلت صورة اطفال صغار يواجهون دبابات الميركافا بالحجارة وصور الجنود الاسرائليين وهم يكسرون اذرع وارجل المدنيين بالحجارة .الحق هذا المسلسل اكبر الضرر فيما تخشاه اسرائيل وهو الصورة المثالية لمجتمع متحضر وسط مجتمعات همجية وشرعية وجود الكيان التي عملت على تثبيتها لدى الرأي العام.في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم كان الشباب الامريكي والاوروبي يلتحقون بالكيبوتزات الاستيطانية على انها مثال حي وعملي للاشتراكية والمساواة.لكن فترة الثمانينيات وما بعدها شهدت انقلابا حين بدأ الشباب الامريكي والاوروبي ياتون الى الضفة الغربية وقطاع غزة لمشاركة الفلسطينيين في نضالهم من اجل التحرر من ربقة الاحتلال الاسرائيلي.
* مع عملية طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول/ اكتوبر 2023 وفتح جبهات الاسناد في اليوم التالي من لبنان واليمن، والحرب الاسرائيلية المضادة التي تحولت الى حرب تطهير عرقي وابادة جماعية وتجويع وحصار وتدمير ممنهج وقتل وتدمير في لبنان.هذه الحرب الطويلة لعبت فيها الفضائيات والاهم من ذلك الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ادت الى تثوير الحركات الطلابية والشبابية والجماهيرية والاكاديمية ومنظمات المجتمع المدني الامريكية والاوربية واستراليا واليابان ودول اسيوية اخرى ضد اسرائيل،وتبنت السردية الفلسطينية الحقة ونبذت السردية الاسرائيلية المزيفة.كما ان تصريحات نتنياهو المتكررة وتلك التي خاطب فيها دول العالم من فوق منبر الامم المتحدة وهو يحمل بين يديه خريطة الشرق الاوسط ويوضح لها ما تم السيطرة عليه من ارض العرب وما سيتم السيطرة عليه تنفيذا لشعار اسرائيل التوسعي (( حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل )هذا الشعار الذي يعلو مدخل الكنيست الاسرائيلي.بعد سقوط النظام والدولة في سورية قام سلاح الجو الاسرائيلي بتدمير سلاح البر والجو والبحر السوري واحتلت القوات الاسرائيلية ثلاث محافظات في الجنوب السورية وعلى مسافة 20 كم جنوب العاصمة دمشق.واحتلت جبل الشيخ واعلنت حمايتها للدروز في محافظة السويداء وان حليفها الموثوق في سورية قوات قسد الكردية شرق الفرات.
في الظاهر تبدو الممارسات الاسرائيلية انها دليل قوة لا راد لها لكنها في الجوهر تعجل وتسرع في تأكل الصورة والشرعية وتستهلك القوة العسكرية والسلطة القضائية التي تقوم بدور المجمدة Freezer التي تحفظ قالب البوظة من الذوبان.يعتقد نتنياهو بهروبه الى الامام انه يستطيع الحفاظ على عمل المجمدة لكن عبثا يحاول سيذوب قالب البوظة على الرمال العربية الحارة ما دام هنالك ثقافة مقاومة ومقاومين.
مهندس زياد ابو الرجا