كتب الأستاذ حسن عماشا:
مقالات
كتب الأستاذ حسن عماشا: "العدوّ الإسرائيلي: استراتيجيّةٌ جديدة، لِحربٍ وجوديّة".
حسن عماشا
14 كانون الأول 2025 , 15:19 م


لقد قضت استراتيجيةُ "توازن الرّدْع" مرحلتها، بين الكيان الصهيوني والمقاومةِ في لبنانَ خصوصا.

وما حصل في السابع من تشرين الأول٢٠٢٣، وضَعَ الكِيانَ الصّهيونيِّ المُحتلِّ فلسطين، في خطرٍ وجوديٍّ لا يُمكنُهُ التعايشُ معه. فعمد إلى رفع منسوبِ المواجهة إلى مستويات غيرِ مسبوقة، في القتل و التدمير و التهجير، وأقنعَ نفسهُ وشعبه، بأنّهُ أياً ما تكونُ الخسائرُ التي تلحقُ به، فهو مُجْبَرٌ على تحمُّلِها،مُراهِناً على الغِطاءِ والدعمِ الدَّوْلِيَّيْنِ، ولو تجاوزَ كلَّ القوانينِ الدولية.

وأمَّنَت له كُلٌّ من أميرِكا والغربِ الِاستِعماريّ مخزوناً هائلاً مِنَ الأسلحةِ والذَّخائرِ التي تجعلُهُ يتفوَّقُ في حربِهِ، بما لا يمكنُ لِقوى المقاومة وجمهورها أن يتحملوه (مع تجاهُلِنا حصولَ مشاركةٍ عملياتيةٍ مِنْ قِبَلِ أميرِكا والغرب،وبشكلٍ مباشر،ولو ظلَّتْ خلْفَ سِتارِ الكِيان).

فضلاً عن أنَّ التهديدَ الوجوديَّ لِلكِيانِ ماكان يقتصرُ عليهِ وَحده، بل إنَّ وجودَ الهيمنةِ الأميرِكية - الغربيةِ نفسِها أصبحَ على المِحَك، ما جعلَ أغلبَ قوى الهيمنةِ تستنهضُ كلَّ أدواتِها دفعةً واحدة، ولو كعزفٍ منفردٍفي إطارِ لحنٍ واحدٍ يُلخّصُ المهمةَ المركزيةَ بِالتخلُّصِ من محورِ المقاومةِ، كحالةٍ ذاتِ سياقٍ مختلفٍ عن السياقِ العامِ الذي فَرَضوهُ في العالَمَيْنِ العربيِّ والإسلاميِّ خاضعاً لسقفٍ في منسوبِ التَّحدّي، بِأنْ لا يَصِلَ إلى المواجهةِ المُباشَرة.

واذا كان الجيشُ الصهيونيُّ قد استُنْزِفَ خِلالَ١٤شهراً، وعَجَزَ عن تحقيقِ إنجازٍعسكريٍّ ميدانيٍّ في مواجهةمقاومينَ أشِدّاءَ، رغمَ تفوُّقِهِ في العَتادِ والقُدُرات،فإنَّ استمرارَ عملياتِ المقاومةِ في غزةَ، رغم احتلالِها وتدميرِها،لا يزال يُؤدي إلى ارتفاع منسوبِ القتلِ والتدميرِ اليوميِّ، بما يُؤَثِّرُ في قراراتِ المُقاومةِ، بِلِحاظ حالةِ النَّزْفِ اليومِيِّ بالعشرات، من أبناءِ الشعبِ الفلسطينيّ.

وقداستطاعت إدارةُ الحربِ الأميرِكيةُ تبريدَ جبهةِ الإسنادِ الأكثرِ تأثيراً في العدو واستنزافاً لهُ، وأنْ تُبادِرَ سريعاً إلى الهجومِ على سوريَّةَ الحلقةِ الأضعفِ في مِحوَرِ المُقاومة، بفعلِ الحصارِ وتفاقُمِ الأزماتِ التي طالت ركيزةَ نظامِها السياسيِّ المُتمثِّلَةِ بالقطاعُ الِاقتصادِيِّ والقطاعِ الاجتماعِيّ، القاعِدَتَيْنِ الحامِلَتَيْنِ لهُما، وهُما القطاعُ الزراعيُّ والقطاعُ العام اللَّذَانِ فقدَاأبسطَ مُقَوِّماتِ الحياة، وهذا أدى إلى انهيارِ النظامِ السُّوريّ واجتياحِ القوى المتربصةِ بهِ سوريّةَ، واحتِلالِها. فكانتِ النتيجةُ أنِ انكشفَ ظهرُ المقاوَمةِ في لُبنانَ، وانقطعت سُبُلُ التَّواصُلِ الميدانيِّ بين أطراف مِحوَرِها.

وقبل المسارعةِ إلى الاستنتاجِ أنَّ هذه الحربَ انتهتْ، وأنَّ محورَ المقاومةِ انهزم، نقول: لا هزيمةَ إلّا في حالةِ الِاستسلام، وهذا منَ الواضح المُؤَكَّدِ أنّه لم، ولن يحصُلَ، حتى في الحلقة ِ الأكثرِ تعقيداً وضعفاً في قُدُراتها والمتمثلةِ بمقاومة غزة. وفلسطين.

واذا كانت الهجمةُ الأميرِكية الفاشلةُ قد حقَّقَت ما حقّقَتْهُ مِن اجتياحِ سوريَّةَ،بِما تُمَثِّلُهُ لِلمِحْوَر، قدفتحتْ شهيةَ العدوِّ الصهيونيّ وجعلَتْهُ يتقدّمُ في الميدانِ السوريِّ ويقضمُ مِساحاتٍ جديدةً، مُحاولاً تحقيقَ طموحاتِهِ بهضمِ غزةَ والضفةِ الغربية،فهذا دونَهُ معضلاتٌ كبيرةٌ لا يمكنُ تجاوزُها، ولاالِاستهانَةُ بها.

واذا كانت غزةُ قد اندفعتْ بطوفانِ الأقصى، بدوافعَ عقائديةٍ ووطنيةٍ، مُتصدِّيَةً لِمَشروعِ التصفيةِ، وأفشلتهُ، فإنَّ هذا المشروعَ مع اندفاعةِ الكيانِ سوفَ يؤدِّي حتماً إلى انخراطِ قوىً جديدةٍ في المواجهة، من خلالِ انكشافِ الوهمِ بحلولٍ وسط، و وَهْمِ "حلِّ الدَّوْلَتَيْن".

وتبقى قوى المحورِ الحيةُ والراسخةُ في إيرانَ ولبنانَ والعراقِ واليمنِ تُشَكِّلُ أساسَ المواجهةِ، في إطارِ استراتيجيةٍ جديدةٍ تتلائمُ معَ طبيعةِ المرحلة الجديدة.