الرياضة نجحت فيما فشلت فيه السياسة
مقالات
الرياضة نجحت فيما فشلت فيه السياسة
راسم عبيدات
14 كانون الأول 2025 , 22:00 م


بقلم :- راسم عبيدات

هم دائماً يقولون " شعب اسرائيل حي"،ونحن نقول شعبنا الفلسطيني حي ولن يختفي ،وستبقى رايته خفاقة في كل الساحات والميادين،في الرياضة ،في الفنون،في التراث ،في المسيرات والإحتجاجات الشعبية،،وكل الساحات والميادين العالمية التي تكشف زيف وكذب الرواية والسردية الإسرائيلية،التي باتت لا تقنع أقرب حلفاء دولة الاحتلال .

في الرياضة،نلعب ننتصر ونهزم،فهذا شيء طبيعي ،كما هو الحال في المعارك العسكرية والسياسية ،ولكن المهم ان لا تنهزم الذات والإرادة،وهذا ما شاهدناه عند منتخبنا الفلسطيني" فدائي"،فلولا إرادته وصدق انتماءه وقوة معنوياته،وتكاتف وتعاون أعضاء فريقه وطاقمه التدريبي،لما تمكن رغم قلة الموارد والإمكانيات المادية،قياساً لما تمتلكه الفرق التي لعبنا معها،وبالذات السعودية وقطر من قدرات وإمكانيات مالية ضخمة،وكذلك فرق ومدربين ضخت عليهم مئات الملايين من الدولارات،ما بين رواتب وشراء لاعبين ومدربين،وتدريبات مكثفة على احدث الملاعب ،وحوافز ومكافأت تصرف للفرق والأندية واللاعبين والمدربين.

هي فجوة كبيرة بين الإمكانيات الضخمة التي توفرت لتلك الفرق،وما بين الإمكانيات والقدرات التي يمتلكها منتخبنا الفلسطيني "فدائي".

واللافت هنا بأن فريقنا الفلسطيني وطاقمه التدريبي فلسطيني 100%،وليس مهجناً أو يضم لاعبين،لا يحملون جنسية بلد الفريق الذي يلعبون معه،بل تم شراؤهم من عدة أندية عالمية،وبمبالغ خيالية.

ومن المهم الإشارة اليه هنا،بأن الجماهير الشعبية الفلسطينية،التي جاءت لكي تؤازر وتدعم فريقها الفلسطيني وتشجعه،والتي نفرت وزحفت من أكثر من بلد ودولة، لكي تقف الى جانب منتخبها،وتعلي راية الوطن،راية فلسطين خفاقة،جاءت من المنافي والشتات ومخيمات اللجؤ والتشرد،ومنها من جاء من تحت الدمار والركام،بدلالة ان هذا الشعب،لن يختفي ولن يكون هنوداً حمر،وهو مصر على الوجود والبقاء،مهما عظمت وكبرت التضحيات.

هذا شعب عريق له وجوده وحضوره وجذروه الممتدة في عبق التاريخ لأكثر من قرن ونصف،ونحن لسنا اغراب او طارئين،جذورنا ضاربة في الأرض كجذور زيتون بلادنا التي يعلن عليه غلاة المستوطنين المتطرفين الحرب اقتلاعاً وسرقة محاصيل ومنع أصحابه من قطف محاصيلهم أو الوصول الى حقولهم وتخريب وتكسير الأشتال.

بلادنا لم تكن في يوم من الأيام "ارض بلا شعب لشعب بلا أرض"،نحن عرفنا الحضارة والرقي والعلم والثقافة والفنون والفكر والأدب والتراث،قبل أغلب دول المنطقة،وكانت لنا بصماتنا العلمية والتربوية والفكرية والثقافية، في أغلب دول المنطقة.

شعبنا يتعرض لحرب إبادة وطرد وتهجير قسري على طول وعرض مساحة الوطن،ولكن هذا الشعب مصمم على البقاء والصمود،من يصمدون تحت خيام غرقت بساكينها بماء المطر،أو اقتلعتها رياح العواصف،ولم يتبق لهم،ما يحميهم ويقيهم شدة البرد من خيام وملابس،ليرتقي عدد من الأطفال وكبار السن،من شدة البرد والجوع،في ظل مجتمع دولي متواطىء ،وصمت عربي واسلامي،لا يمكن تبريره أو القبول بحججه وذرائعه،وهذا تعبير عن عجز وانهيار عند النظام الرسمي العربي،حتى لم نلمس جرأة في تحميل الاحتلال المسؤولية عن الإنتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

نعم ما عجزت عن تحقيقه السياسة،نجحت في تحقيقه الرياضة،فالسياسة وقادتها على مدار أكثر من تسعة عشر عاماً من إنقسام مدمر،سعينا لإنهائه،خاضت الفصائل عشرات اللقاءات والحوارات،وعقدت الكثير من المؤتمرات للمصالحة في داخل الوطن وخارجه وفي العواصم العربية والدولية،من أجل انهاء الإنقسام والتوحيد السياسي والجغرافي والمؤسساتي لجناحي الوطن،ولكنها فشلت في التقدم ولو لخطوة واحدة على طريق انهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية،وهذا الفشل،ليس فقط بسبب نشوء المصالح والإمتيازات السياسية والإقتصادية والإجتماعية،للمستفيدين من استمرار الإنقسام،وكذلك التدخلات الإسرائيلية والأمريكية والعربية والإقليمية في القرار الفلسطيني،بل بقيت قيادته فاقدة لإرادتها وقرارها السياسي المستقل،وهذا مكن من استطالة أمد الإنقسام وشرعنته،وأصبحت له أبواق ناطقة باسمه.

الرياضة نجحت في تحقيق ما عجزت عنه السياسة،حيث شهدنا الزحف الفلسطيني،لجماهير شعبنا الفلسطيني من مختلف المكونات والمركبات السياسية والمؤسساتية والمجتمعية ،من أجل دعم ومؤازرة وتشجيع فريقها الفلسطيني " فدائي" ،واعلاء راية الوطن خفاقة فوق كل الرايات،راية يفخر ويعتز بها الجميع،ويتمنون ان تنضوي كل الرايات الفصائلية على اختلافها تحت هذه الراية،هي الراية التي تمنحنا القوة،وتمكننا من ان نكسب ثقة واحترام كل العالم، الذي باتت ساحاته وميادينه،تشهد تحولاً كبيراً لصالحنا في الرأي العام،في ظل تراجع وسقوط للرواية والسردية الإحتلالية.

الشعب بطبعه تواق الى الوحدة،والترفع عن المصالح الفئوية،وعن المناكفات والسجالات الداخلية،ولكن المشكلة تكمن في القيادات السياسية، التي كل طرف منها،يريد ان يكون برنامجه هو السائد،وأن تكون الوحدة الوطنية،وفق المقاسات التي يريدها،وبما يضمن هيمنته وتفرده.

قضيتنا الفلسطينية تمر في أدق وأخطر مراحلها،وشعبنا الفلسطيني تتهدده مخاطر التصفية والطرد والتهجير القسري،على طول وعرض فلسطين التاريخية،وما يحاك ضد شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، أخطر من الإنتداب البريطاني،قبل مئة وثمانية عام،فالمطلوب شطب شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة كاملاً من تعداد الشعب الفلسطيني،حيث سيتم فرض مجلس وصاية دولية باسم مجلس السلام، يجعل من قطاع غزة،أرض دولية،سكانها يخضعون لإدارة سياسية دولية وإدارة أمنية دولية أيضاً ،وسيتم تخليهم عن هويتهم الفلسطينية،وتجريدهم من انتماءهم ،والتخلي عن قضيتهم وحقوقهم الوطنية السياسية.

على قادة التنظيمات الفلسطينية والقيادات الفلسطينية والقيادات المجتمعية والمؤسساتية، أن تبني على ما تحقق في الرياضة،حيث وجدنا الكل الفلسطيني بكل تلاوينه وأحزابه ومكوناته ومركباته، توحد خلف علم فلسطين ومنتخب فلسطين "قدائي"،معلنين بأن راية الوطن فوق كل الرايات،هذه الرايات التي يجب أن تضوي جميعها تحت راية الوطن،فالوطن هو حاضنة الجميع ،والجميع مستهدف من قبل الإحتلال،ولا عذر في هذه المرحلة الخطيرة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني،والمهدد فيها وجوده وقضيته،ان يستمر هذا الإنقسام المدمر.

فلسطيين – القدس المحتلة

13/12/2025

[email protected]