نهاية حقبة المقاومة الاسلامية/ الاسلام هو الحل؟ أم انتكاسة؟
مقالات
نهاية حقبة المقاومة الاسلامية/ الاسلام هو الحل؟ أم انتكاسة؟
ميخائيل عوض
20 كانون الأول 2025 , 18:51 م


٢٠/١٢/٢٠٢٥

كتب الدكتور ميخائيل عوض

١

الصراع العربي الإسرائيلي باعتباره حرب القرن والتجسيد الدائم للصراع بين الغرب الانجلو ساكسوني والشرق بقيمه وأليات تشكل هوياته أمم وحضارات ودول وأقوام مرَّ بمراحل وحقب، تميزت مساراته باستهلاك قوى وتكتلات ونظريات وعقائد وايديولوجيات من منتجات البيئة، ومتفاعلة مع المنتجات العالمية باعتباره اختصار لصراع بين القيم وأطوار التشكل والخاصيات وحروب السيطرة والإخضاع القسرية الاغتصابية.

وما زال الصراع مستمراً ويستهلك جديدها تمهيداً لظهور قوة عصرية قادرة على إدارته وانتزاع الحق القومي، تأمينا لعبور الأمة وأمم الإقليم وآسيا وقيادتها التحولات والحاجات لولادة العصر الحضاري الإنساني الثالث الجاري مخاض ولادته بدموية وتدمير وعصف غير مسبوقة.

٢

في تحقيب زمن الصراع منذ بداية القرن المنصرم استُهلِكت قوى اجتماعية وعقائدية قادت الصراع وكانت منتجاً لحقبتها، وتجسدت بالمتنورين من أبناء الإقطاع والقبلية والمتعلمين، وبتأثير من نخب الأقليات وأدت قسطها فتراجعت عن ما حققته ولم يكن ثميناً أو مؤثراً.

انتفاضات في فلسطين ومساندة من بيئاتها، لاسيما الشام والرافدين، ونخب الأمه في زمانها انتهت بهزائم في صدامات ١٩٤٧ و٤٨ وبمساندة دول الانتداب التي أنتجت تقسيمات وكيانات صُنِّعت لتتخادم وتخدم مصالحها عبر ثلاثية "سايكس بيكو-وعد بلفور-والتعاقدات البريطانية" مع أُسر الخليج، خاصةً الوهابية والسعودية.

هزائم التصادمات-ولم تكن حروب لأن المنتدب هو من قرر نتائجها-استنفذت تلك الكتل فتقاعدت لصالح نظم" وطنية" غالباً أنتجتها الجيوش وانقلاباتها، وتميزت بتبني منوعات عقيدية قومية ويسارية وإسلامية واجتماعية، متأثرة بنواتج الحرب العالمية الثانية وظهور الكتلة السوفيتية، وصعود أمريكا دشنت حقبتها حرب السويس ١٩٥٦ التي أطلقت حقبة الناصرية والقومية والشعبوية.

٣

لأنها كانت وسيطة وغير ناضجة، ولا البنى الاجتماعية قادرة على انتاج عقائد وقوى متمكنة وفاعلة، وبفعل ثقل الضغوط والتحولات الدولية، ولكون الصراع اختزالاً لصراع الغرب مع الشرق، أرخت التوازنات الدولية نفسها وانقسمت الأمة وقوى الإقليم الى كتلتين متأثرتين بالثنائية العالمية. وباعتبار الكيانية المصنعة وتكالب مصالح الفئات والنخب وسعيها لتأمين نفسها على حساب القضية المحورية، بإسقاط الكيانات وتأمين الحق القومي في فلسطين، وبسبب طبيعة القوى التي قادت وتشكلت من تحالف المثقفين المتنورين والضباط الآتون من الأرياف والجبال بلا خبرات ولا عقائد ناضجة، فهزمت الجيوش والنظم في حرب ١٩٦٧ ما أطلق زمن تراجعها وانغلاقها وتحولها إلى الكيانية، والسعي لتعظيم مصالحها. فتحولت مصر إلى مصريتها الفرعونية، واضطرب السودان، واستبعدت الجزائر، وقسمت اليمن، وانغلق البعث على دولتيه العراق وسورية محتربتين على حساب شعاراته ومبادئه.

٤

كانت معركة الكرامة ١٩٦٨ في الأردن شرارة إطلاق حقبة الأحزاب والقوى الهجينة في طبيعتها وشعاراتها وبرامجها، فتراجع وزن النظم والجيوش لصالح منظمة التحرير والفصائل والأحزاب ذات الشعارات والعناوين اليسارية والوطنية والقومية الشعبوية، التي أمسكت القيادة حتى الاجتياح الإسرائيلي لبيروت ١٩٨٢ ولم تكن تجربتها لا في الأردن ولا في لبنان أو فلسطين أو في البيئتين العربية والإسلامية خلاَّقة أو مثمرة، فأنتجت هزيمتها ورحيلها وانهيار وزنها وحضورها، بل تحول كتلتها الأساسية إلى تخديم إسرائيل وتأمينها ومشاريعها.

٥

ليست مصادفة أو رميةً بلا رامي أن يتصادف زمن انحسار دور النظم والجيوش والأحزاب والشعارات القومية واليسارية مع تحولات مصر وصعود حقبة "السعدنة والساداتيه" وقيادتها الحقبة العربية والإسلامية بعد حرب تشرين ١٩٧٣ وفورة النفط والمال والبترو-دولار. وسيطرت نظريات التفاوض والتسويات، وأوراق اللعبة بنسبة ٩٩ بالمائة بيد أمريكا، فتقدمت المؤسسة الدينية الإيرانية وظفرت بالسلطة في إيران عبر ثورة شعبية، وبشعارات وبرامج من خارج النص والسياق السائد حينها فاعتمدت آية؛ ونريد ان نمن على الذين استضعفوا... إشارة إلى طابعها الاجتماعي، وشعار لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية تعبيراً عن الالتزام الاستقلالي والسيادي. فإيران وحضارتها وقدراتها شكلَّت البيئة المولدة لظاهرة تاريخية جديدة شقت عصا التوازنات، وأنتجت تجربة مختلفة في الشكل والخطاب والجوهر، أكثر انتماء للبيئة وحضاراتها وأصول تشكل هوياتها الجمعية، والأكثر أصالة وتعبيراً عن البيئة والحضارة.

٦

ليست مصادفة عابرة أيضاً أن تَوافق انتصار الثورة الإسلامية مع التزامات الأسد الأب، وشعارات سورية بتأمين التوازن الاستراتيجي والبنَّاء، واعتماد خيار المقاومة متساوقاً مع إعداد الجيوش والمجتمع والدول، وتحت شعارات الأمن القومي والتضامن العربي، لاستمرار الصراع والاخلال بتوازناته بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

٧

شكَّل انتصار الثورة الإسلامية تجديد واستحضار للحق القومي ومركزية قضية فلسطين ومحوريتها، فأطلقت الخمينية شعار القدس ويومها العالمي وأسبوعها الإسلامي، وجددت بمقاربات الصراع، وأعطته بعداً دينياً وحضارياً، كتجسيدٍ لصراع الحضارة الغربية الانجلو سكسونية ذات الطابع والنشأة العدوانية المتوحشة والليبرالية مع حضارات الشرق وآسيا التضامنية والإيمانية الاجتماعية

٨

أيقظت الثورة الإسلامية الكتلة الشيعية في الأمة، وكانت تحت الاضطهاد الاجتماعي والديني، وبعضها على خط تماس الصراع القومي والاجتماعي، فنشأت المقاومة الإسلامية في لبنان تحت عناوين وشعارات إسلامية قومية جعلت من القضية الفلسطينية والزحف لتحرير القدس و"يا قدس إِنَّا قادمون" جوهرها، وشعاراتها الحافزة والتكوينية التاسيسية.

وكذا في العراق واليمن وبعض دول آسيا الوسطى وافريقيا، حيث كان للمذهب الشيعي وجوداً أو كتلة اجتماعية ومظلومية.

شكلَّت تجربة حزب الله المقاومة الإسلامية في لبنان ظاهرة تاريخية إبداعية استثنائية، يمكن وصفها منتجاً عبقرياً من خارج النص والسياق والبيئات وحتى القدرات المادية ومنتجات الواقع والتشكيلات المجتمعية والكيانية، وتوفرت لها قوى إسناد نوعية تجسدت بسورية حافظ الأسد والتزاماته وقدراته الاستثنائية، وبإيران الالتزام والعقيدة والنموذج والإمكانات المادية الهائلة.

٩

شكلَّت تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان ظاهرةً فريدة، واستثنائية عبقرية وأسطورية في زمنها. فانتزعت انتصارات إعجازية في زمنها وتوازناتها المحلية والاقليمية والدولية، سرَّعت وعززت نهوض وتمكن الشيعية السياسية والمسلحة في العرب والمسلمين، وامتد تأثيرها إلى افريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد وفِقَت بشخصية استثنائية ونادرة الوجود في الأمم تجسدت بشخصية السيد حسن نصرالله، كما تقاطعت وتفاعلت وأسهمت نوعياً في إطلاق المقاومة الإسلامية الفلسطينية السنية، وحفزت على صعود السنية السياسية والمسلحة، وتحولها إلى قوة ركنية في تقرير مسارات الصراع والدول والبيئات والتوازنات الإقليمية والعالمية. وسيادة شعار وحقبة الإسلام هو الحل و"يا يهود، جيش محمد سوف يعود"، وتأبى القدس أن تتحرر إلا على يد المسلمين...الخ

يمكن الجزم بأن عصراً ذهبياً للأمة والقضية الفلسطينية تحقق منذ تأسيس وإطلاق المقاومة الإسلامية اللبنانية حتى حرب الاسناد، وصولاً لاغتيال السيد حسن نصرالله ووقف النار وإطلاق يد نتنياهو في فلسطين و لبنان وسورية والعراق وبإزاء اليمن و إيران.

١٠

سنة ونيف على وقف المقاومة وانكفائها الحاد وترك نتنياهو يسعى ويفعل ما يريد.

مدة زمنية فائضة بتوقيتها وبما ترتب عليها وما يعد للمنطقة والإقليم، وقد أعلنها نتنياهو إسرائيل يهودية وكبرى، وشرق أوسط إسرائيلي. وأعلنها ترمب منطقة استيطان وتدمير وإبادة الشعوب لاحتلالها والسيطرة عليها على قيم وقواعد الانجلو سكسون، وأصول نشوء أمريكا وسيطرتها.

وقف المقاومة وتحمل الضربات، والتزام حزب الله العلني بالكيانية والدولة وتسليمها المقاليد والأمور برغم معرفته بطبيعتها وتوازناتها وولائها للأمريكي واستعدادها للعمل بأوامر نتنياهو، وما آلت إليه أمور سورية والعراق، واستهداف إيران بتصميم قاطع لإسقاط نظامها الإسلامي، ووصفها مع حزب الله "برأس الافعى، المطلوب قطعه" كما جاء على لسان نتنياهو وتوماس براك المبعوث الشخصي لترمب، ومديره لورشة إعادة هيكلة العرب والمسلمين والصراع العربي الإسرائيلي الانجلو سكسوني.

واقع الحال والمخططات والتحولات الجارية تطرح السؤال الجوهري والاستراتيجي؛ هل هي نهاية حقبة "الإسلام هو الحل"، ونهاية دور المقاومات بطابعها وعقيدتها الإسلامية أكانت شيعية أو سنية، أم هي انتكاسة عابرة كـ "كبوة الفارس"؟ فالمقاومات بطابعها وعقيدتها الإسلامية قد تكون كبوة فارس، وانتكاسة قادرة على هضمها واحتواء كوارثها، وكذلك تجديد وتغيير في بناها وتشكيلاتها وشعاراتها تؤدي لعودة أكثر تمكناً. فقد تأسست ونشأت وتقدمت، وانتزعت انتصارات إعجازية من خارج السياق التقليدي والسائد.

نهاية حقبة ام انتكاسة سؤال واجه ما قبلها خاصة بعد حرب ١٩٦٧ فابتدع حسنين هيكل تعبير الانتكاسة والنكسة بدل الهزيمة تمسكا وايمانا بالمشروع القومي والناصري فانتهت النتائج بسقوط اخر النظم الوطنية وشعاراتها القومية بطريقة هزلية مع رحيل الاسد الابن.

هل يتنطح هوبرجية الحقبة ويتعاملون مع اللحظة باستهتار وبعنتريات فارغة ام يهتمون بجدية ويسعون بواقعية لتقديم المعطيات وشرح الاسباب التي اوصلت المقاومة والمحور الى ما وصلوا اليه؟

على كل حال؛

ملف سنعالجه، وسؤال وما يستدرجه من أسئلة جوهرية سنحاول الإجابة عليها وندلوا برأي، بعد أن طال انتظار أصحابها ومفكريها وخبرائها الذين يحجمون عن خوض غمار البحث والتدقيق والتقييم، إما لنقص أو لرهاب، وغالباً ليس لحكمةٍ أو اقتدار.

لمتابعة كل جديد الاشتراك بقناة ميخائيل عوض على الرابط

https://youtube.com/@maikawad1800?si=sWW_GVQW1mHoOn4a

الأكثر قراءة بيان عاجل.. صرخة الحق في وجه الصمت والتواطؤ
بيان عاجل.. صرخة الحق في وجه الصمت والتواطؤ
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً