في وقت تشهد فيه معدلات الإصابة بمرض السرطان ارتفاعا عالميا، تتزايد في المقابل الدعوات إلى ما يُعرف بـ«العلاجات البديلة»، التي تُقدَّم غالبا بوصفها حلولا أقل كلفة وأكثر بساطة من العلاجات الطبية المعتمدة. وبينما يعكس هذا التوجه قلقا مشروعا لدى المرضى وعائلاتهم، فإنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات جوهرية حول مدى سلامة هذه الأساليب وفعاليتها، لا سيما عندما تُطرح خارج الأطر العلمية المعترف بها.
ومن بين أكثر هذه الطروحات إثارة للجدل، فرضيات تعتبر مرض السرطان حالة يمكن علاجها بمواد قلوية بسيطة، مثل بيكربونات الصوديوم. وقد انتشرت هذه الأفكار على نطاق واسع عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، مما أعاد إلى الواجهة النقاش حول الحدود الفاصلة بين البحث العلمي، والتجارب الفردية، والمسؤولية الطبية.
التعريف العلمي لمرض السرطان وأسبابه
يُعرّف مرض السرطان في الطب الحديث بأنه مجموعة أمراض ناتجة عن طفرات جينية تؤدي إلى نمو غير منضبط للخلايا. هذه الطفرات قد تكون ناتجة عن عوامل وراثية، أو التعرض لمواد مسرطنة، أو بعض الفيروسات، إضافة إلى تأثير العمر ونمط الحياة. ولا يُصنَّف مرض السرطان علميا كمرض جرثومي أو فطري، بل كخلل في آليات انقسام الخلايا وتنظيمها داخل الجسم.
فرضية ربط مرض السرطان بالفطريات: قراءة علمية نقدية
تقوم بعض الطروحات غير التقليدية على اعتبار أن فطريات معينة، مثل المبيضة البيضاء (Candida albicans), هي السبب الأساسي للإصابة بمرض السرطان، وأن القضاء عليها يؤدي إلى تراجع الورم أو زواله. إلا أن هذه الفرضية لم تُثبت عبر تجارب سريرية محكمة، ولم تُنشر نتائجها في مجلات علمية معتمدة، كما لم تحظَ باعتراف أي مؤسسة صحية رسمية. ويشير مختصون إلى أن الخلط بين وجود الفطريات في جسم مريض السرطان وبين اعتبارها المسبب الرئيسي للمرض يُعد خطأً علميًا شائعا.
استخدام بيكربونات الصوديوم في علاج مرض السرطان: المخاطر الطبية
تُستخدم بيكربونات الصوديوم طبيا في نطاقات محدودة جدا، مثل تصحيح بعض اضطرابات الحموضة في الدم، وتحت إشراف طبي دقيق. غير أن الترويج لاستخدامها كعلاج لمرض السرطان، ولا سيما عبر الحقن المباشر داخل الأنسجة أو الأعضاء، يثير مخاوف جدية لدى الأطباء. فالجسم البشري ينظّم درجة الحموضة بدقة عالية، وأي تدخل غير مدروس قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل تمزق الأنسجة واضطرابات حادة في توازن الأملاح، وقد يصل الأمر إلى فشل كلوي أو قلبي.
وفي هذا السياق، خضع أحد الأطباء المرتبط اسمه بهذه المقاربة العلاجية لمسار قضائي في بلاده، انتهى بشطبه من نقابة الأطباء بعد وفاة أحد المرضى أثناء خضوعه لعلاج غير معتمد. واعتبرت المحكمة أن الإجراء المستخدم لا يندرج ضمن الممارسات الطبية المعترف بها، وأن تطبيقه خارج الأطر العلمية والقانونية شكّل خطرا مباشرا على حياة المريض. وتُستحضر هذه القضية في الأوساط الطبية مثالا واضحا على أهمية إخضاع أي علاج جديد للتجارب السريرية والموافقات الرسمية قبل تعميمه على المرضى.
الاعتماد على الشهادات الفردية في تقييم علاجات مرض السرطان
يعتمد الترويج لكثير من العلاجات البديلة على قصص شخصية وشهادات فردية لمرضى يعلنون تحسنهم أو تعافيهم. إلا أن خبراء يؤكدون أن هذه الشهادات، على الرغم من بعدها الإنساني، لا ترقى إلى مستوى الدليل العلمي. فقد يكون التحسن ناتجا عن:
• تشخيص غير دقيق
• شفاء تلقائي نادر
• تزامن مع علاج طبي معتمد
• تأثير نفسي (Placebo Effect)
ولهذا، لا تعتمد المؤسسات الطبية على الشهادات الفردية، بل على الدراسات السريرية القابلة للتكرار والتحقق.
موقف المؤسسات الطبية من العلاجات غير المثبتة لمرض السرطان
تؤكد المؤسسات الصحية الدولية أن:
• أي علاج لمرض السرطان يجب أن يخضع لتجارب علمية صارمة
• نسب الشفاء لا تُعتمد إلا بعد توثيقها إحصائيا
• إيقاف العلاجات المثبتة لصالح بدائل غير مدروسة قد يؤدي إلى فقدان فرص علاج حقيقية
ولا تعترف أي جهة صحية رسمية باستخدام البيكربونات أو العلاجات الفطرية كعلاج معتمد لمرض السرطان.
دور الإعلام الصحي في الحد من التضليل حول مرض السرطان
يلعب الإعلام دورا محوريا في حماية المجتمع من المعلومات الطبية المضللة، من خلال تقديم محتوى صحي دقيق يستند إلى مصادر علمية موثوقة. ولا قتصر هذا الدور على نقل الآراء، بل يشمل التحقق من الادعاءات ووضعها في سياقها الطبي الصحيح، بما يضمن حق القارئ في المعرفة ويحدّ من المخاطر الصحية.