تعود واشنطن إلى الواجهة السورية بعبارة مألوفة: محاربة الإرهاب، تعود وهي تطلب من السوريين أن يصدقوا، أن يدعموا، وأن ينتظروا الخلاص على أيدي الجيوش الأميركية.
فجأة، تقدم الولايات المتحدة بوصفها حليفة لسوريا، وحامية لها من التطرف. لكن قبل الانخراط في هذا التصديق الجماعي، يفرض السؤال نفسه: أليس الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذاته أعلن قبل خمس سنوات القضاء النهائي على التنظيم؟ اذا ما الذي تغيّر؟ وكيف عاد المُقضى عليه بهذه السهولة؟
الأكثر إثارة للريبة ليس عودة التنظيم بحد ذاتها، بل جغرافيا حضوره؛ فكيف يمكن تفسير رؤية التنظيم بعيدا عن الساحات الواسعة الموالية لواشنطن في الشرق الأوسط، وبعيدا كليا عن الداخل الأميركي؟ قد يسوق البعض أن هذه الساحات مضبوطة ولكن تاريخ التنظيمات الجهادية يقول شيئا آخر فهي عادة ما ترفع التحدي في الساحات الأصعب لإثبات الوجود وحشد الأنصار، كما فعلت القاعدة في ذروة صعودها. الغياب هنا ليس تفصيلاً، بل مؤشرا .
من هذه الزاوية، تبدو مقولة القضاء على التنظيم غير مقنعة ليس لأن الولايات المتحدة عاجزة عسكريا، بل لأن وجود هذا العدو الوهمي يخدم مصالحها
فعلى مدار سنين كان التنظيم ذريعة جاهزة لتبرير القواعد وتوسيعها وإدامة النفوذ وتغذية خطاب أمني يتضخم كلما تضخمت الدعاية لعودة التنظيم.
باختصار، الولايات المتحدة لم تسقط التنظيم سابقا ولن تسقطه نهائيا، لأنه جزء من معادلة النفوذ لا نقيضها.
ليس مجديا اليوم الانقسام بين مع أو ضد الوجود الأميركي؛ فهذا الوجود صار واقعا فرضته تحولات المنطقة منذ 2011؛ لكن المجدي هو طرح السؤال الصحيح: ماذا تريد واشنطن من هذا الغزل اليومي لسوريا؟ ما الأهداف الحقيقية خلف الجهوزية المعلنة لحمايتها من الإرهاب؟
إذا كان التنظيم هو الخاطب البغيض، وواشنطن هي الوسيط، فالعريس واضح: إسرائيل عندها يصبح السؤال الأخير حاسما: هل تريد الولايات المتحدة وضع السوريين أمام خيارين لا ثالث لهما إما القبول بما تريده إسرائيل، أو التعايش مع حرب طويلة على الإرهاب تحول أحلام التنمية والازدهار، التي تُباع اليوم إعلاميا بالجملة وبسعر البصل، إلى كوابيس مؤجلة؟
هذه ليست دعوة للتخوين ولا للتهليل إنها دعوة لقراءة باردة لمصالح الولايات المتحدة، ولسؤال السوريين أنفسهم: كيف نرى هذا الانخراط الأميركي المتزايد؟ وما الذي نريده نحن من سوريا ما بعد الحرب أمنا دائما أم سلاما