فحص دم جديد وعلاج منخفض التكلفة يفتحان آفاقا جديدة لعلاج الملاريا الدماغية
دراسات و أبحاث
فحص دم جديد وعلاج منخفض التكلفة يفتحان آفاقا جديدة لعلاج الملاريا الدماغية
24 كانون الأول 2025 , 14:40 م

لا تزال الملاريا تشكّل عبئا صحيا واقتصاديا كبيرا على العديد من الدول النامية، حيث تتسبب في خسائر بشرية واسعة، وإعاقات طويلة الأمد، واضطرابات اقتصادية ملحوظة، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب المرض في نحو 600 ألف حالة وفاة سنويا، معظمها في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث لا يزال الوصول إلى التشخيص والعلاج السريع محدودا.

أخطر أنواع الملاريا وتأثيره على الدماغ

يُعد طفيلي البلازموديوم فالسيباروم (Plasmodium falciparum) أخطر أنواع طفيليات الملاريا التي تصيب الإنسان، إذ يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالملاريا الشديدة، بما في ذلك الملاريا الدماغية، وهي حالة خطيرة تنجم عن انسداد الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ بخلايا دم حمراء مصابة.

وقد تتطور العدوى بسرعة كبيرة، مسببة غيبوبة، وتورما في الدماغ، وقد تؤدي إلى الوفاة في حال عدم العلاج الفوري. وحتى في حال النجاة، قد يعاني المرضى من اضطرابات معرفية وحركية دائمة.

بحث جديد يدرس دور الميثيلين الأزرق

في دراسة نُشرت في مجلة Nature Communications، بحث فريق من كلية يونغ لو لين للطب بجامعة سنغافورة الوطنية (NUS Medicine)، بالتعاون مع باحثين دوليين، إمكانية استخدام الميثيلين الأزرق للحد من تلف الدماغ في حالات الملاريا الشديدة، إضافة إلى تحديد مؤشرات حيوية دموية عملية تساعد الأطباء على التشخيص المبكر ومتابعة الاستجابة للعلاج.

وقال الأستاذ المساعد بينوا ماليريه من قسم الأحياء الدقيقة والمناعة وبرنامج أبحاث الترجمة المناعية في كلية الطب بجامعة سنغافورة الوطنية، إن الملاريا الدماغية تتطور بسرعة وتؤدي إلى عواقب وخيمة، في ظل نقص الأدوات التشخيصية العملية والعلاجات الموجهة.

وأضاف أن نتائج الدراسة أظهرت أن الميثيلين الأزرق قادر على عكس العديد من التغيرات الجزيئية التي يسببها المرض في الدماغ، وهو أمر مشجع نظرا لكون هذه المادة منخفضة التكلفة ومتوفرة على نطاق واسع.

منهجية الدراسة والنتائج الرئيسية

في هذه الدراسة، قام الباحثون بإعطاء الميثيلين الأزرق عن طريق الوريد لنماذج مخبرية مصابة بطفيلي Plasmodium coatneyi بعد ظهور أعراض شديدة. ويُعد هذا الطفيلي مشابهًا بدرجة كبيرة لـ Plasmodium falciparum من حيث الأعراض، ويُستخدم على نطاق واسع في الأبحاث قبل السريرية.

بعد ذلك، حلل الفريق التغيرات الجينية التي تحدث أثناء العدوى، وحددوا أنماطا جينية في الدم تشير بشكل موثوق إلى وجود الملاريا الدماغية.

تحسّن واضح في إصابات الدماغ

أظهرت النتائج أن الميثيلين الأزرق ساعد على إعادة ضبط العديد من التغيرات الجينية غير الطبيعية في جذع الدماغ، وهو الجزء الأكثر تضررا في حالات الملاريا الدماغية.

كما أدى العلاج إلى تقليل علامات تلف الدماغ، مثل:

تراكم الصبغات الناتجة عن خلايا الدم المصابة

النزيف الدقيق

تورم أنسجة الدماغ

وعادت العديد من التغيرات الجينية إلى مستويات قريبة من الوضع الطبيعي، مع تحسّن واضح في عينات الأنسجة، بما يتماشى مع النتائج الجزيئية.

اكتشاف توقيع جيني مكوّن من تسعة جينات في الدم

من خلال مقارنة عدة قواعد بيانات، تمكن الباحثون من تحديد توقيع جيني دموي مكوّن من تسعة جينات، وهي:

MAG

IL1RN

LCN2

S100A8

S100A9

CD177

CHIT1

MMP9

NFE2

وقد أظهر هذا التوقيع الجيني قدرة عالية على التمييز بين:

الملاريا الدماغية

الحالات الأخف من الملاريا

الأشخاص الأصحاء

واللافت أن هذا النمط الجيني كان ثابتًا لدى البالغين والأطفال، ما يفتح المجال لتطوير فحص دم موحّد يساعد في تشخيص المرض، وتحديد شدته، ومتابعة تحسّن المرضى.

دور الخلايا المناعية في تلف الدماغ

ارتبط عدد من هذه الجينات بخلايا العدلات (Neutrophils)، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، ما يشير إلى أن الالتهاب الناتج عن هذه الخلايا يلعب دورا مهما في:

تورم الدماغ

تلف الحاجز الدموي الدماغي

ظهور الأعراض العصبية

وقال الأستاذ المساعد ماليريه إن التوقيع الحيوي الذي تم تحديده كان متسقا بشكل لافت، ما يعزز إمكانية تطوير اختبار دم بسيط يساعد الأطباء على التمييز بين الملاريا الدماغية والحالات الخطيرة الأخرى، وبالتالي التدخل المبكر واتخاذ قرارات علاجية أدق.

آفاق جديدة للتشخيص والعلاج

أظهرت الدراسة أيضا فهما أعمق للعمليات المناعية التي تؤدي إلى إصابة الدماغ، حيث برز دور الخلايا العدلة بشكل متكرر في التحليلات الجينية والمناعية، رغم أنها لم تكن تُعد سابقا عنصرا محوريا في الملاريا الدماغية.

ورغم النتائج المشجعة للميثيلين الأزرق، أشار الباحثون إلى أن توقيت العلاج قد يكون عاملًا حاسمًا، إذ بدا أن التدخل المبكر أكثر فاعلية. كما شددوا على ضرورة إجراء تجارب سريرية لتحديد الجرعات المثلى، والتوقيت المناسب، ومستوى الأمان عند استخدامه مع أدوية الملاريا الحالية.

كذلك، تحتاج المؤشرات الحيوية التسعة إلى اختبارها على نطاق أوسع وفي مجموعات سكانية متنوعة، قبل تحويلها إلى فحص عملي جاهز للاستخدام الميداني.

أمل جديد للمناطق الأكثر تضررا

يأمل الفريق البحثي في تطوير اختبار دم سريع وموثوق لتشخيص الملاريا الدماغية، إلى جانب تقييم الميثيلين الأزرق كعلاج داعم منخفض التكلفة.

ومن خلال توضيح آليات التهاب الدماغ أثناء الإصابة بالملاريا، تمهد هذه الدراسة الطريق لتحسين التشخيص والعلاج ومتابعة المرضى في المناطق التي لا يزال المرض يشكل فيها تهديدا صحيا كبيرا.

المصدر: مجلة Nature Communications