كشف باحثون عن جهاز عصبي دقيق ولاسلكي قادر على «التحدث» مباشرة إلى الدماغ باستخدام أنماط من ضوء LED، في خطوة قد تمهّد مستقبلا لاستعادة الحواس المفقودة أو التحكم في الألم دون الحاجة إلى أدوية.
ووفقا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Neuroscience، أظهر الجهاز نجاحا في تجارب أُجريت على الفئران، حيث تمكّن من إرسال إشارات ضوئية تُفسَّر داخل الدماغ كما لو كانت مدخلات حسية طبيعية.
كيف يعمل الجهاز؟
يُزرع الجهاز تحت فروة الرأس دون الحاجة إلى إدخاله مباشرة داخل نسيج الدماغ. وهو صغير الحجم، مرن، ويتوافق مع انحناءات الجمجمة، ويحتوي على:
64 مصباح LED دقيق
دائرة إلكترونية منخفضة الاستهلاك
هوائي استقبال لاسلكي
ويتم التحكم بالجهاز عبر تقنية الاتصال قريب المدى (NFC)، وهي التقنية نفسها المستخدمة في أنظمة الدفع اللاتلامسي.
يرسل الجهاز أنماطا محددة من الضوء عبر الجمجمة إلى الدماغ، حيث تستجيب لها خلايا عصبية معدلة وراثيا لتصبح حساسة للضوء.
البصريات الوراثية: جعل الدماغ يستجيب للضوء
لا تستجيب خلايا الدماغ طبيعيا للضوء، لذلك استخدم الباحثون تقنية تُعرف باسم البصريات الوراثية (Optogenetics)، وهي تعتمد على تعديل الخلايا العصبية جينيا لإنتاج قنوات أيونية حساسة للضوء.
عند تسليط الضوء، تسمح هذه القنوات بمرور الشحنات الكهربائية إلى داخل الخلايا، مما يُطلق إشارات عصبية تنتقل عبر الشبكات الدماغية.
وأوضح جون روجرز، أستاذ الهندسة الحيوية في جامعة نورث وسترن والمؤلف الرئيسي للدراسة، أن هذه الآلية تتيح خلق حساسية ضوئية مباشرة داخل أنسجة الدماغ.
تعليم الدماغ أنماطا جديدة
في التجارب، تعلّمت الفئران التمييز بين أنماط ضوئية مختلفة أرسلها الجهاز، وربط كل نمط بسلوك معين.
فعلى سبيل المثال، كانت الفئران تتجه إلى موقع محدد للحصول على مكافأة غذائية عند تلقي نمط ضوئي معين، ما يدل على قدرتها على «فهم» الإشارات القادمة مباشرة إلى الدماغ.
وأشار الباحثون إلى أن الجهاز لا ينشّط فقط المناطق المسؤولة تقليديا عن الرؤية، بل يمكنه تحفيز مساحات واسعة من القشرة الدماغية، وكأن أنماط الضوء تُسقَط على الدماغ مثل عرض فيلم بصري داخلي.
آفاق طبية واعدة
يرى الباحثون أن هذه التقنية قد تفتح المجال أمام:
أطراف صناعية تنقل إحساس اللمس أو الضغط
أجهزة بصرية أو سمعية متقدمة
علاجات غير دوائية للألم
واجهات دماغ آلة أكثر أمانا ومرونة
وقال بن هي، الباحث في الهندسة العصبية بجامعة كارنيغي ميلون (غير مشارك في الدراسة)، إن التقنية تمثل نهجا جديدا لضبط الدوائر العصبية على نطاق واسع.
التحديات القادمة
رغم الإمكانات الواعدة، شدد الباحثون على أن التحدي الأكبر يتمثل في الحصول على الموافقات التنظيمية المتعلقة بالتعديل الوراثي للخلايا العصبية لدى البشر.
وأشار روجرز إلى أن التقنية قابلة للتوسّع لتغطية مناطق أكبر من الدماغ وزيادة عدد مصابيح LED، لكن ذلك يتطلب حلولا جديدة لتزويد الطاقة وضمان السلامة.