المقاومة في لبنان: الأسباب الموجبة لاستمرارها مهما كلّف الثمن، لا سيّما بعد رفض الكيان الصهيوني تنفيذ اتفاق 26 تشرين الأول 2023 وقف القتال بموجب القرار 1701:
—تُعدّ "المقاومة" في لبنان مفهومًا متجذرًا في الوعي الوطني، يتجاوز كونه مجرد فعل عسكري ليصبح جزءًا أصيلًا من الهوية السياسية والاجتماعية للبلاد. إن الحديث عن استمرار هذه المقاومة "مهما كلّف الثمن" يرتكز على مجموعة من الأسباب العميقة والجذرية التي ترسم المشهد الجيوسياسي والأمني والاقتصادي للبنان:
أولًا: التهديد الوجودي المستمر وفشل الردع الدولي وما يُسمى ب(لجنة الميكانيزم) شاهد الزّور على العجرفة الصهيونية واستباحة ما يُعرف بالسيادة اللبنانية الغير موجودة سوى في عقول المتصهينين .
السبب الأبرز والأكثر إلحاحًا لاستمرار المقاومة هو الطبيعة المستمرة والجوهرية للتهديد الصهيوني ، والذي ثؤكِده الانتهاكات المتكررة للاتفاقات الدولية.
• حماية الحدود والسيادة: يمثل الاحتلال الإسرائيلي المستمر لأجزاء من الأراضي اللبنانية وانتهاكات المجال الجوّي والبرّي والبحري خرقًا فاضحًا للسيادة الوطنية، لذا يُنظر باستمرار إلى المقاومة على أنها الرادع الأقوى والأكثر فعالية لردع الاعتداءات وحماية الحدود بالرغم من الجراحات العميقة والأليمة التي أصيبت بها وعلى الرغم من صعوبة إعادة بناء قدرات المواجهة القادمة والحتميّة في ظلّ الحصار القاتل على كلّ ما يتعلّق بالمقاومة وبيئتها الحاضنة .
—فشل الآليات الدولية (نموذج رفض اتفاق 26 تشرين الأول 2024)
يمثل رفض الكيان الصهيوني تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2024، والذي كان يستند إلى آليات القرار 1701، دليلًا قاطعًا على ضعف الالتزامات الدولية في حماية لبنان.
هذا الرفض زاد من قناعة المقاومة ومؤيديها بما يلي:
1. عدم موثوقية الضمانات الخارجية: أن الأطر الدبلوماسية والأممية لا تشكل ضمانة فعلية يمكن الاعتماد عليها لوقف العدوان أو سحب القوات من الأراضي المحتلة.
2. ضرورة القوة الذاتية: أن القوة الذاتية هي اللغة الوحيدة التي يرتدع بها العدو، وأن الالتزامات الدولية تُنتهك بسهولة عندما تتعارض مع مصالحه الأحادية، مما يجعل استمرار المقاومة كقوة رادعة أمرًا حتميًا لا بديل عنه.
ثانيًا: غياب البديل الوطني الفعّال (الفراغ الاستراتيجي)
يعتقد المؤيدون أن استمرار المقاومة ضروري لغياب آليات أخرى يمكنها توفير الأمن على المدى القريب والبعيد:
• الشلل السياسي الداخلي: يعاني النظام السياسي اللبناني من انقسامات حادة وشلل مؤسساتي، مما يجعله عاجزًا عن اتخاذ قرار موحد وفاعل لحماية البلاد أو بناء جيش وطني قادر على المواجهة الكاملة في ظلّ منع النظام الأمريكي لأي مساعدات عسكريّة للجيش اللبناني مهما كانت إلّا تحت إشرافها حتى لوكانت من دول حليفة للولايات المتحدة الأميركية.
• الدفاع عن الموارد الطبيعية: تُعدّ المقاومة ورقة ضغط لضمان حقوق لبنان في ثرواته النفطية والغازية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، حيث يرى البعض أن القوة هي التي فرضت سابقاً ترسيم الحدود البحرية والتي يسعى الكيان الصهيوني اليوم إلى صياغة اتفاقيات جديدة تضمن هيمنته الكاملة على الثروة البحريّة اللبنانية وذلك مُعلُن بوقاحة على لسان قادة العدو الصهيوني.
ثالثًا: البُعد الأيديولوجي والتحرري (المقاومة كقضية وطنية)
للمقاومة جذور أعمق من مجرد الجانب العسكري، فهي تمثل بالنسبة لشريحة واسعة من اللبنانيين مشروعًا أيديولوجيًا ووطنيًا يتمثَلْ ب:
• التحرير والكرامة:
ترتبط المقاومة ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم الكرامة الوطنية والتحرير ، لأنّها التعبير العملي عن رفض الذل والتبعية، والتمسك بالحقوق غير القابلة للتصرف.
رابعًا: التضحية للحفاظ على الوجود (تكلفة المقاومة مقابل تكلفة الانهيار).
المطالبة بالاستمرار مهما كلف الثمن تنبع من مقارنة بين تكلفة المقاومة وتكلفة غيابها:
• تكلفة المقاومة: تنطوي على مخاطر الحرب والدمار والعقوبات الاقتصادية والتضحيات البشرية.
• تكلفة الانهيار: إنّ التخلّي عن المقاومة بغياب البديل القادر على حماية لبنان يعني الاستسلام والرضوخ للاحتلال كليّاً ، مما يفتح الباب أمام تنازلات كبرى عن الأراضي والثروات، لأجل ذلك فلا بديل عن القوّة الذاتية الموجودة (المقاومة وسلاحها)لأنّ في ذلك الطريق الأكيد لتهديد الوجود اللبناني بكامله.
لذا لا بديل عن وجود استراتيجية دفاعيّة فاعلة تشرف عليها دولة قادرة لا تتخلى عنها مهما تبدّل الحكّام:
إن استمرار المقاومة في لبنان ليس مجرد خيار سياسي، بل يُنظر إليه على أنه ضرورة استراتيجية ووجودية. وقد أكد رفض الكيان الصهيوني الالتزام بوقف إطلاق النار الأخير (26 تشرين الأول 2024) على أن الآليات الدوليّة لا يمكنها أن تحل محل القوّة الرادعة الذاتية والواجب أن تتمثّل بإقامة استراتيجية دفاعيّة أو إستراتيجيّة أمن وطني كما يسميها رئيس الجمهورية طالما بقي التهديد قائمًا وفشلت الدولة بقواها الذاتيّة كما فشلت الضمانات الدولية في لجمه، لذا فإن الأسباب الموجبة لاستمرار المقاومة تظل قائمة ومبرّرة، حتى لو استلزمت تضحيات جسيمة، باعتبارها الخيار الأقل تكلفة لوقف مشروع التوسع والهيمنة القائم على إزالة الكيان اللبناني من الوجود ضمن مشروع قيام دولة(إسرائيل الكبرى).