من سورية الأسد - إيران إلى سورية الشرع - تركيا… ومصير نفوذ تركيا الإقليمي في أكثر من ساحة.
مقالات
من سورية الأسد - إيران إلى سورية الشرع - تركيا… ومصير نفوذ تركيا الإقليمي في أكثر من ساحة.
علي وطفي
27 كانون الأول 2025 , 10:36 ص


ما يجري من هندسة للجغرافية السياسية الإقليمية والحروب العسكرية والسياسية الامنية الجارية ففي كل طلقة أو موقف يرسم حجم تأثير الدول والمصالح في التجارة والاقتصاد (موارد الطاقة وخطوط نقلها) هذه الهندسة والتنافس باتت واضحة بعد الانقلاب و تسليم دمشق بمسرحية (ردع العدوان) بحيث اختلطت اوراق ومصالح واطماع إقليمية و دولية على سورية وبدأنا نشهد سياسة اردوغانية تتطابق في كل شيء من التصريحات والزيارات والمواقف من الحكم الحالي و كانها نسخة طبق الأصل عن سياسة إيران في المشهد السوري السابق ، لكن الفرق أن طهران لعبت دور عسكريا هام ساندت حليفا يمتلك الشرعية الدستورية و الدولية تعرضت خلال ذلك مواقعها وضباطها وضباطها للقصف والاغتيالات المتلاحقة وكان واضح دورها المؤثر و الفعال ميدانيا إضافة لدعم مالي واقتصادي من على سبيل المثال مليوني طن من النفط شهريا كانت تصل عبر خط الائتمان تصل إلى موانئ سوريا على عكس عنتريات النظام التركي في الدعم الصوتي منذ عام وإلى اليوم وقبله في دعم أهل غزة خوفاً من تل أبيب على عكس القيادة في طهران في المرحلة السابقة ، الى ان جاء الضربة المؤلمة عبر خطوة إسرائيل بتشكيل تحالف مناهض لتركيا في يوم 22 كانون الأول وهو اليوم نفسه الذي شنت فيه أنقرة هجوما فعليا عبر أدواتها على قوات سورية الديمقراطية في حلب ، كان وزير الخارجية هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز المخابرات الوطنية إبراهيم قالن، إلى جانب السفير التركي الجديد نوح يلماز، في زيارة الى دمشق، استضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسو تاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس في القدس ومن الجدير بالذكر أن هذه الدول الثلاث من بين أكثر الدول قلقا بشأن مشروع "تركيا بلا إرهاب"، الذي يتصور حلا سياسيا للقضية الكردية في تركيا عبر القنوات البرلمانية بعد نزع سلاح حزب العمال الكردستاني.

بعد زيارة فيدان ومن معه و خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السوري الشيباني ، صرح فيدان بأن أنشطة قوات سوريا الديمقراطية ، التي يتم تنفيذها "بالتنسيق" مع إسرائيل، تمثل أكبر عقبة أمام تنفيذ اتفاق 10 آذار مع حكومة دمشق ، في غضون ذلك صرح نتنياهو بأن هذا الاجتماع الثلاثي العاشر مع قادة اليونان وقبرص كان "الأهم من حيث النتائج" وعندما سئل في مؤتمر صحفي ثلاثي عما إذا كان التحالف يعارض تركيا، أجاب نتنياهو:

" لا نريد معارضة أحد" وهو ما يعد من الناحية الدبلوماسية ، " نعم" صريحة، فمقتل قائد عسكري آخر (بعد اسقاط طائرة ثانية كانت تقل ضباطا كبارا في سلاح الجو الليبي) من جيش الحكومة الليبية الذي يعتبر جزء من التحالف التركي الليبي المتوسطي ، الذي تمثله الحكومة الليبية في طرابلس الغرب ، بالتالي تركيا ومن معها يواجهون تحالفا يضم كل من إسرائيل واليونان وقبرص ومصر والمشير حفتر المتحالف معهم في ليبيا و مصرع حليف تركيا الليبي الرئيسي (مرة أخرى على متن طائرة) هو ضربة لطموحات واطماع انقرة و مقتل ضباط سلاح الجو الليبيين التابعين لها ، ضباط تدربا على استخدام طائرات بريطانية وأمريكية جديدة قادرة على مواجهة القوة المشتركة المتفوقة لكل من إسرائيل واليونان ، وعلينا ان نتذكر ايضا تلك التي الطائرة العسكرية التركية التي سقطت وهي في طريق عودتها من" باكو" بعد مشاركة من عليها من الضباط الأتراك في عرض عسكري والاهم هو درس مقتل الرئيس الإيراني أيضا في تحطم طائرته بالقرب من حدود أذربيجان.

وكان نتنياهو قد هدد تركيا وحلفائها قبيل مقتل رئيس الأركان الليبي رجل اردوغان وقد صدقت هذه التهديدات ، بينما يتفاوض ترامب وفانس و كوشنر مع إسرائيل والسعودية ، يأتي اغتيال القيادة العملياتية للتحالف التركي المناهض لإسرائيل، على متن طائرة ثانية على التوالي ، إن توجيه الاتهام المباشر لإسرائيل ( خاصة بعد عمليات التضليل الإلكتروني التي يتباهى بها الصهاينة وأنصارهم حول العالم) يعد بمثابة إعلان حرب من قبل إسرائيل ، لكن تركيا غير مستعدة ولا ترغب في الحرب مع إسرائيل ،التي تتفوق عليها عتادا بشكل كبير في القوة الجوية والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي وخسارة شريك تجاري وعسكري مهم ،علاوة على ذلك، فإن اليونان (التي تمتلك أيضا قوة جوية وأنظمة دفاع صاروخي قوية) تستقطب الجيش التركي بأكمله نحوها ، تواجه تركيا حربًا تكنولوجية على جبهتين، إن لم تكن ثلاث ، فإسرائيل (التي تمتلك أسلحة نووية) على أتم الاستعداد لمثل هذه الحرب ، بينما تركيا تفتقر إلى القوات اللازمة لمثل هذه الحرب ، ثم هناك الهجمات او العمليات الاستخباراتية التي تستهدف (إسقاط طائرات تقل عسكريين أتراك وحلفاء) وأوكرانيا ، التي تهاجم السفن في البحر الأسود ، تعتبر من قبل تركيا حليفا لإسرائيل وربما روسيا التي لا تنسى ولا تسامح… حيث انتقل الانتقام من البحر الأسود ضد السفن التجارية التركية و المسيرات التي تجوب سماء تركيا ، بدأت موسكو تتحرك لاتفاق ضمني ربما مع تل أبيب أبعد من مداها الحيوي و تثبيت وجودها في الغرب السوري وحماية مصالحها في أفريقيا بدء من شرق ليبيا وفي الرد بعد صمت و صبر طويل على الدعم التركي الكبير بالطائرات المسيرة و اللوجستيات و الوقود لاوكراينا .

سقوط طائرة الجنرال "الحداد"(الرجل القوي والعسكري الأول) بالنسبة للنظام التركي داخل الأجواء التركية شكل ضربة قاسية لأردوغان و لهيبة الاستخبارات التركية ، من هنا تركيا تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، إما التدخل المباشر لفرض قائد جديد أو تتبع الواقعية السياسية والاتفاق مع القاهرة خوفا من ان تبدأ المليشيات في طرابلس تتقاتل فيما بينها و بعد أن تأكدت أن بقاء مصالحها تتطلب شريكاً قوياً في الداخل الليبي، وهناك وجهة نظر مقابلة تقول إن عمل استخباراتي تركي تم تصفية الجنرال الحداد رئيس الأركان الليبي في غرب ليبيا بسبب اعتراضه على قرار تمديد بقاء القوات التركية في العاصمة طرابلس حيث اعتبر الحداد أن هذا التمديد يمس جوهر السيادة الوطنية مطالباً حكومة الدبيبة باتخاذ موقف رسمي يعترض على قرار البرلمان التركي القاضي بتمديد الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا ، وأكد المصدر أن رئيس الحكومة الدبيبة رجل تركيا تعامل مع هذا الاعتراض بمنطق الإملاء لا الشراكة، و وجه للفريق "الحداد" عبارات قاسية ، من بينها قوله حرفياً " نحن من صنعك وعليك تنفيذ الأوامر." وعلى إثر هذا التوتر غادر الفريق الحداد الاجتماع ، الذي عقد قبيل سفره إلى تركيا في خطوة فسرها متابعون على أنها رفضا صريح لمحاولات الضغط السياسي عليه ومحاولته التمسك بدور المؤسسة العسكرية كجهاز وطني مستقل لا أداة بيد أي طرف واستمر على موقفه بعد لقائه المسؤولين في انقرة والتي على إثرها تم قتله ، علما ان "الدبيبة" كان قد تقدم بطلب رسمي للحكومة التركية لتمديد فترة بقاء قواتها في طرابلس، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول تقاطع المصالح بين القرار السيادي الليبي والارتباطات السياسية الخارجية ما يحسم صحة ٱحد الاحتمالين مما سوف يجري تباعا من تطورات داخل الساحة الليبية من تغيرات بعد ما حدث.

في كل الحالات واضح ان النظام التركي يبدو عاجز ويغرق في وحل تعقيدات المشهد الإقليمي و السوري الاهم وهو من ساهم في وضع النقاط الأخيرة على حروفه بعد استجداء النظام السابق وماراثون أردوغان وصل لدرجة التوست وراء الأسد طلبا للصلح والاتفاق بإلحاح ووساطة روسية لكن الرئيس السوري غادر و أغلق الباب ورائه و ما إن دخل منه النظام التركي الذي أوغل في دم السوريين ونهب وسرق كل مقدرات صمود الدولة من مدينة حلب الصناعية في بداية الحرب وأدخل مئات آلاف الغرباء (الجهاديين) مزهوا بالنصر ليجد نفسه على أرض الواقع متروك وحيدا عاجزا الى الحائط المسدود وواقع الانهيار الاقتصادي السوري والانقسامات فهو لن يستطيع مساندة نظام اوصله في حالة من الإفلاس ، اقتصادي وعسكري كما وعد ثاني يوم الانقلاب ، لم ولن يحصل اي دعم مادي ملموسة ، ثم إن سورية ليست غزة التي شبعت كلام فارغا من النظام التركي ، فحتى رواتب الموظفين في سورية تدفعهم السعودية وقطر اليوم ، القمح من روسيا ، و خرافة الاستثمارات في سورية مستمرة مليارات في الاعلام فقط وإلى متى هذا الخداع و المفارقة أن اليوم بعد رحيل النظام السوري طهران أصبحت الرئة الاقتصادية للنظام السوري المؤقت عبر التجار والسماسرة الأتراك فكل مواد البناء بدأت تصل من إيران الى سورية عبر تركيا .

فلا شيء تبدل ، بقي النظام في سورية و الذي تبدل اسم رأس النظام ولا شيء آخر، بل على يده طار الجولان بعد أن تحولت سورية إلى "جمهورية موز" و فقدت وزنها الدولي و مقوماتها العسكرية ،هي تلك الهندسة والمصيدة الإسرائيلية مع حلفائها في الخليج والإقليم والدول الكبرى المنخرطة في الدراما السياسية السورية التي أوقعت النظام التركي ، هو ما المخ إليه ترامب أن أردوغان هو صاحب والمسؤول المباشر عن ما حدث لدمشق اليوم ، هو مديح يخفي في طياته عواقب قاسية و مصير النظام التركي عينه وهنا يستحضرني المثل الشامي: " دخول الحمام ليس كالخروج منه"و بالتالي عليه أن يتحمل مصير أطماعه و نتيجة افعاله التي أدخلت المنطقة في نفق لم ولن تخرج منه لعقود ويحدد مصير النظام التركي ذاته وهو ما يتوقف على قرار اعتقد ليس ببعيد إن خرج عن طاعة أو تجاوز خطوط رسمتِها له تل ابيب.