‏الشهادة بين النص الديني وخطاب الدولة: تفكيك بيان وزارة الإعلام السورية
مقالات
‏الشهادة بين النص الديني وخطاب الدولة: تفكيك بيان وزارة الإعلام السورية
د. عمر حمد
28 كانون الأول 2025 , 17:00 م

أعاد البيان الصادر عن وزارة الإعلام السورية، المتعلق بتوصيف ضحايا التفجير الإرهابي في مسجد الإمام علي (ع) بمدينة حمص، فتح نقاش بالغ الحساسية يتجاوز حدود الإدانة الأخلاقية للجريمة، ليصل إلى جوهر العلاقة بين الدين والدولة، وبين النص الشرعي والخطاب الرسمي. فالإشكالية لم تكن في إدانة التفجير، وهي محل إجماع وطني ودولي وإنساني، بل في اعتماد منطق عقدي إقصائي لتوصيف الضحايا بوصفهم “قتلى” لا “شهداء”، بذريعة أنهم “غير مسلمين”.

‏هذا التوصيف لا يمثل اجتهادا فقهيا معتبرا، بل انزلاقا خطيرا نحو إعادة تعريف المفاهيم الدينية وفق اعتبارات سياسية أو أيديولوجية، بما يهدد السلم الأهلي ووحدة المجتمع، ويضع الدولة في موقع الخصم العقدي بدل أن تكون الحكم الجامع.

‏في المنظور الإسلامي، الشهادة ليست لقبا إداريا تمنحه السلطة، ولا توصيفا انتقائيا يُسحب ويُمنح بحسب الهوية المذهبية. الشهادة مفهوم شرعي واضح، قوامه الظلم والعدوان لا الانتماء. خاصة أن النبي محمد ﷺ قرر قاعدة جامعة حين قال:

‏«من قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد».

‏فالميزان هنا هو فعل الاعتداء، لا توصيف الضحية.

‏إن استهداف مصلّين داخل مسجد أثناء أدائهم لشعائرهم يُعد جريمة مركّبة(( قتلا متعمدا، واعتداءً على حرمة دور العبادة، واستهدافا على أساس ديني.)) وقد اتفقت المذاهب الفقهية الكبرى على أن من يُقتل ظلما وعدوانا يُعد شهيدا عند الله، وإن لم يكن في ساحة قتال. 

‏((حتى الشيخ ابن تيمية))الذي يعتبر مرجعاَ أساسياَ للسلطات الحالية في سوريا و يُستدعى كثيرا في الخطاب العقدي المعاصر، يؤكد بوضوح أن “القتل ظلما وعدوانا يوجب أجر الشهادة”، ويذهب الإمام النووي إلى المعنى ذاته.

‏الأخطر من نزع صفة الشهادة هو توصيف الضحايا بأنهم “غير مسلمين”. فأتباع الإمام علي بن أبي طالب (ع) مسلمون بنص القرآن والسنة والإجماع التاريخي، ولم يُخرجهم من الإسلام أي مذهب فقهي معتبر. 

‏إن اقتراب الخطاب الرسمي من منطق التكفير، ولو تلميحا، يُدخل الدولة في حقل ألغام عقدي حذّر منه الإسلام صراحة:

‏«من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما».

‏الدول لا تُبنى بخطاب الفرز العقدي، بل بلغة العدالة والإنصاف. والتمييز بين الدماء في توصيف جريمة إرهابية لا يحمي هيبة الدولة، بل يقوّضها، ويفتح الباب أمام خطاب التطرف والكراهية.

‏خلاصة القول: إن ضحايا تفجير مسجد الإمام علي كرم الله وجهه قُتلوا ظلما وعدوانا، وهم مدنيون آمنون استُهدفوا في بيت من بيوت الله، ووفق النصوص الشرعية المعتبرة فهم شهداء عند الله. العدل في الخطاب قوة، والإنصاف حماية للوطن، أما تسييس المفاهيم الدينية وتحويلها إلى أدوات إقصاء، فهو مسار لا يخدم الدين ولا الدولة ولا المجتمع وهو دليل قاطع أن عقلية هذه السلطة الإسلامية الجهادية السلفية الحاكمة في سوريا ليست بوارد أن تتحول إلى التفكير بمنطق الدولة .