كل الأنظار تتوجه لمتابعة الاجتماع المرتقب بين ترامب ونتنياهو في فلوريدا، وحيث من الواضح أن هناك مروحة واسعة من الملفات الداهمة والحساسة مطروحة على طاولة مباحثات الطرفين، من غزّة ولبنان إلى سورية وإيران؛ يبقى الملف الأخير (ملف إيران) هو الأكثر حساسية بين هذه الملفات والذي من المفترض أن يكون نقطة ارتكاز هذه المباحثات بامتياز.
فلماذا يتفوق ملف إيران بالنسبة لكيان الاحتـ.ـلال على ملفات غزّة ولبنان وسورية؟
وما هي أسباب الخوف "الإســـ.ـرائيـلي" من موقف وقدرات إيران؟
وكيف يمكن أن يكون الموقف الأميركي من القرار "الإســـ.ـرائيـلي" بتنفيذ عــ.ـدوان واسع على إيران؟
أولًا: بالنسبة لملفات غزّة ولبنان وسورية، يمكن الإشارة إلى الإستراتيجية "الإســـ.ـرائيـلية" في مقاربة كلّ منها كالتالي:
- في غزّة، استطاعت "إســـ.ـرائيـل" أن تضبط الاشتباك كما أرادت تقريبًا، ورغم ما أصابها من خسائر مؤلمة، بدءًا بـ7 أكتوبر حتّى اليوم، على كافة الصعد العسـ..ـكرية والسياسية والاجتماعية، هي اليوم، وبعد أن استطاعت استغلال الاتفاق "الوهمي" على وقف إطلاق النار لاستعادة كلّ أســ..ـــراها الأحياء والأموات (باستثناء جثة جندي واحد)، تتحكم بتضييع توقيت الانتقال إلى المرحلة الثانية، مستفيدة من هذا الوقت الضائع في متابعة مناورتي الاغتيالات ونسف المنازل وتدمـ..ـير البنية العسـ..ـكرية لحمـ..ـاس وخاصة شرق الخط الأصفر؛ وعليه فهي غير مستعجلة على حسم هذا الملف حاليًّا، حيث مصلحتها تقضي بإطالة المرحلة الأولى قدر الإمكان.
- في لبنان، تتابع قوات الـ.ـعـ..ــدوّ "الإســـ.ـرائيـلي" اعتـ.ـداءاتها واغتيالاتها بوتيرة وبوحشية لا تختلف بتاتًا عن تلك التي طبعت اعتـ.ـداءاتها واغتيالاتها قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار الأخير منذ عام وشهر تقريبًا، وحيث يلتزم حـ.ـزب الله حتّى الآن بوقف إطلاق النار بشكل كلي، تاركًا أمر معالجة الاعتـ.ـداءات "الإســـ.ـرائيـلية" للسلطة اللبنانية، والتي اعتبرت نفسها المسؤولة الوحيدة عن الدفاع والمـ..ـواجهة مع حصر السـ.لاح بأجهزتها العسـ..ـكرية والأمنية فقط، وحيث عجزت هذه السلطة الرسمية اللبنانية حتّى الآن عن مـ..ـواجهة هذه الاعتـ.ـداءات والاغتيالات، أو عن إيجاد سبيل لإنهاء الاحتـ.ـلال "الإســـ.ـرائيـلي" في النقاط المعروفة، يبقى الـ.ـعـ..ــدوّ "الإســـ.ـرائيـلي" متحكمًا باللعبة وبتوقيت المراحل كما يختار، وبالتالي يبقى مستفيدًا من هذه الوضعية الرمادية في الاشتباك مع لبنان ومع حـ.ـزب الله، ولا مصلحة له الآن في تغيير هذه الوضعية والذهاب إلى أخرى مختلفة، هو يعلم جيّدًا أنها ستكون غامضة وغير مضمونة النتائج.
- في سورية، تسرح وتمرح قوات الـ.ـعـ..ــدوّ "الإســـ.ـرائيـلي" كما يحلو لها في أغلب مناطق الجنوب السوري، وبانتظار أن يثبّت الحكم الانتقالي اليوم في سورية قدرته على مسك السلطة (الأمر البعيد جدًّا كما يبدو)، أو بانتظار وصول هذا الحكم إلى مستوى يمكّنه من اتّخاذ موقف حاسم ضدّ الاحتـ.ـلال والتوغل "الإســـ.ـرائيـلي" في سورية، أو من اتّخاذ موقف واضح من مطالب "إســـ.ـرائيـل" من الأخيرة باتفاق أمني ومنطقة عازلة منزوعة السـ.لاح، تبقى "إســـ.ـرائيـل" مسيطرة على هذه الوضعية داخل سورية من كافة النواحي الأمنية والعسـ..ـكرية والسياسية، وبالتالي لن تكون مستعجلة لفرض أي تغيير في الاشتباك مع سورية حاليًّا.
- أما بخصوص ملف إيران، فهو يعتبر حتما اليوم بالنسبة للعدو "الإســـ.ـرائيـلي" ملفًا ضاغطًا بقوة، ومن المنطقي أن يكون محور المباحثات المرتقبة بين ترامب وبين نتنياهو، وذلك استنادًا للمعطيات الآتية:
١ - بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، وفي مقال للكاتب الصهـ..ـيوني ايتمار آيخنر،
"يخطط نتنياهو لعرض معلومات استخبارية محدثة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقائهما في فلوريدا الأسبوع المقبل، تظهر أن إيران تنتج كميات كبيرة من الصوا ريخ الباليستية، بهـ.ـدف واضح: "إســـ.ـرائيـل".
٢ - بحسب كلام "إســـ.ـرائيـلي" لموقع ynet: "إذا لم ينجح الأميركيون في التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين يوقف برنامجهم للصوا ريخ الباليستية، قد يكون من الضروري مـ..ـواجهة طهران".
٣ - وفقًا للاعلام "الإســـ.ـرائيـلي"، "هناك تهديد شديد الخطورة يتمثل بإطلاق كميات كبيرة من الصوا ريخ باتّجاه "إســـ.ـرائيـل" دفعة واحدة، الأمر الذي قد يتسبب بأضرار تعادل قنبلة ذرية صغيرة وهذا الأمر لا يمكن لـ"إســـ.ـرائيـل" أن تتقبله، ولن تتقبله".
٤ - من جهة أخرى، تشير بعض صور الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة Planet Labs إلى أن إيران تعيد بناء مواقع إنتاج الصوا ريخ التي تضررت في الضربات "الإســـ.ـرائيـلية"، وفقًا لما قاله سام لاير، باحث في مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار، وهو منظمة غير حكومية تركز على منع انتشار أسـ..ـلحة الدمار الشامل، لموقع وول ستريت جورنال.
طبعًا، هذه المعطيات عن تنامي القدرات الصا روخية الباليستية الإيرانية هي جدية تمامًا، وهي تشكّل عامل خوف متقدم جدًّا لدى "الإســـ.ـرائيـليين" ولدى الأميركيين أيضًا، وهنا تكمن حساسية مقاربة الأمر بالنسبة لطرفي مباحثات فلوريدا المرتقبة، فهل تسارع "إســـ.ـرائيـل" بعد إقناع ترامب، لتنفيذ اعتـ.ـداء واسع على إيران بحجة وقف برنامجها الصا روخي الباليستي ذي القدرة التدمـ..ـيرية الضخمة، وذلك قبل تعاظمه بحيث تصبح السيطرة عليه صعبة؟ أم أن المعطيات الاستعلامية الأميركية - "الإســـ.ـرائيـلية" الأكيدة حول المستوى المتقدم جدًّا والذي وصل إليه هذا البرنامج الصا روخي الإيراني، وما يمكن أن يسببه داخل الـ.ـكــ..ــيـان عند أي عــ.ـدوان "إســـ.ـرائيـلي" على إيران، تدفع طرفي مباحثات فلوريدا إلى الابتعاد حتمًا عن تنفيذ أي عــ.ـدوان على الأخيرة، والبحث عن تسوية معقولة تحقق الحد الأدنى من مطالب "إســـ.ـرائيـل" والأميركيين، وتكون في نفس الوقت مقبولة من طهران؟
وجوابًا عن التساؤلات أعلاه، يمكن القول إن إمكانية السير بأحد الخيارات المطروحة أعلاه، تتساوى في ما بينها بشكل كبير.