كتب حليم خاتون: بعض الجنون ياعرب..
سألني ابني الشاب، وهو في السنة الثالثة الجامعية،عن الوضع في سوريا.
وهو يتابع دراسته أون لاين، بسبب الكورونا، وقليلاً ما يخرج من غرفته لتبادل الحديث مع من يجده في طريقه وهو يفعل هذا كنوع من الراحة للتخلص من رتابة القراءة والدرس عن بعد.
من وقت لآخر يتابع معي الأوضاع في لبنان، فلسطين، سوريا، العراق، اليمن ... الخ, هو لا يقرأ العربية، بكل أسف نتيجة للغربة وهذا نتاج مآسي الغربة, يقرأ احيانا أخبار المنطقة على الإنترنت، من مصادر غربية، يستشيط غضبا، ثم يأتي ليحمّلني مسؤولية الانهزامية العربية، مسؤولية لا أستطيع نفيها بالمُطلق.
أعترف أني لم استطع، ولو مرة واحدة، تبرير سكوتنا على ما يُصيبنا, كنت وانا الذي يرفض كل تبريرات الأنظمة ومراكز القرار العربية أحاول إيجاد أعذار، فأعجز أمام المنطق الذي يواجهني به.
كانت زوجتي من مواليد ألمانيا. أذكر أنه بعد زواجنا ببضعة أيام، قام استشهادي فلسطيني بعملية داخل باص في تل أبيب فكان تعليقها الفوري، أن قتل المدنيين حرام... كادت تصف العملية بالعملية
الإرهابية..
قبل أن أقاطعها بمحاضرة طويلة تختصر، قدر الإمكان الهولوكوست الفلسطيني.. قدت السيارة في ذلك اليوم وجعلتها ترى بأمّ العين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على طريق المطار، وفي صبرا وشاتيلا، حيث قصصت لها ما حدث في تلك الليالي المشؤومة من صيف ١٩٨٢، على أيدي ميليشيات بشير الجميّل، تحت غطاء أرييل شارون.
كنت أقول لها, "كل هؤلاء الناس، لم يصلوا إلى هذا الوضع صدفة"، وان هؤلاء عائلات محترمة كانت لديهم بيوت وحدائق وحقول".
"منهم من كان عنده بساتين برتقال على الساحل الفلسطيني، ومنهم من كان لديه عشرات وربما مئات من شجر الزيتون والتين وغيرها,
هؤلاء كانوا يعيشون في عز يشابه عز لبنان الوهمي، إن لم يكن يفوقه.
حدثتُها عن العفّولة، وقصَصْت عليها بعضًا من قصص جدّتي التي كانت تسكن تلك المدينة، والتي رأت بعينها، الفوج الاول من المهاجرين اليهود, هؤلاء المهاجرون، الذين سمحت بريطانيا بدخولهم، ثم وفرّت لهم كل الظروف للسيطرة على كامل فلسطين.
اليوم هاتفني ابني, كانت كلمته الأولى، لماذا لا تَرُدّ سوريا على الإعتداءات الإسرائيلية؟
ذكرت كل الأعذار التي أعرفها.. الروس يرفضون إعطاء سوريا السلاح الذي يستطيع إسقاط الطائرات الإسرائيلية, في فلسطين المحتلة يوجد أكثر من مليون مهاجر يهودي روسي وأن بوتين يراعي هؤلاء.
وأن الأتراك يحتلون شمال البلاد،وتحت حمايتهم جحافل من آلاف الإرهابيين من "مجانين" الحوريات,,
وأن الأميريكيين يحتلون المناطق الغنيّة بالنفط الذي يتشاركون في سرقته مع التنظيمات الإنفصالية الكردية والأتراك وان الجيش السوري لا يستطيع محاربة كل هؤلاء، ومحاربة إسرائيل في نفس الوقت.
سألني وماذا عن الإيرانيين؟
وماذا عن المقاومة؟
ماذا عن الشعب السوري، وكيف يرضى؟!
ماذا عن بشار الأسد؟
"ألم تقل لي أن سوريا صمدت أمام جحافل أكثر من سبعين دولة؟".
أنا ردّدَتُ نفس الإسطوانات المشروخة التي يرددها المحور.. لا هو اقتنع بالكثير مما قلته انا، ولا انا كنت مقتنعا بما أقول.
بين التكتيك والاستراتيجيا، تضيع حقوق، وتُذبح شعوب.
السؤال الذي لم يطرحه إبني، ربما اقتصارا للشّر، طرحته أنا على نفسي علّ نفسي تُشفي غليلي وتُجيب.
بعد كل ما حصل في سوريا، ما هو الأسوأ الذي يمكن أن يحصل؟
إذا كنّا لا نتردّد في الطلب إلى الفلسطينيين ببعض الجنون، وهم في وضع أسوأ من وضع السوريين بآلاف المرّات؛ أليس الأجدر بنا الطلب إلى السوريين ببعض الجنون؟
ربما سقط روس في الغارات، وقد سقط لهم قبل ذلك فعلاً, ربما سقط إيرانيون وقد سقط لهم أيضا وأيضا.
غدا سوف ينفي الروس. وإذا سألناهم، أين صواريخ س-٣٠٠ وس-٤٠٠، ولماذا لم تتصدّوا للطائرات الإسرائيلية؟
سوف يحتجّ الروسي أن الطائرات كانت تقصف من فوق لبنان، أو من فوق الجولان!!!
سوف يخرج المتحدث الإيراني وينفي سقوط جنود إيرانيين، مكتفيا بالتنديد بالعدو الصهيوني، علّ التنديد يصيب هذا العدو ببعض الجراح.
أما السوريون، هم مشغولون بعدّ كمية الصواريخ التي اسقطوها ولم تصب أهدافها, كلّ هذا "اللت"، لا ينفع. المطلوب واحد...
بعد كل غارة، أطلقوا صاروخا واحدا على مطار عاصمة الكيان.. بعد كل غارة أطلقوا صاروخا واحدا على تل ابيب، أو حيفا.
ماذا سوف يحصل أسوأ مما حصل خلال السنوات التسع التي مرّت؟!, إذا أصرّت روسيا على تخاذلها، سوف تفقد كل المكانة الدولية التي كسبتها من الحرب السورية الكبرى.
إذا استمر الإيرانيون في تجاهل مشاعر السوريين الغاضبة، سوف ينتهون بفقدان كل الحبّ والحماس اللذين تكنّهما سوريا للثورة الإسلامية في إيران.
الاتراك، ماذا سوف يفعلون أكثر مما فعلو, لم يبق أمامهم سوى المحاربة مباشرة وبشكل علني إلى جانب الصهاينة، فتسقط ورقة التوت عن عورة أردوغان.
الإنفصاليون الأكراد، هم أكثر حاجة لحماية الجيش السوري من حاجة الجيش لهم. هل يريدون الإصطفاف مع الصهاينة علنا؟
حسنا، تكون جَنَت على نفسها براقش.
وما حصل مع البرازاني لم ينتهِ بعد، وممكن إعادته.
إلى الشعب السوري الأبي، إلى الجيش السوري الذي قهر كل الجيوش الغازية، وكل إرهابيي هذا الكوكب، إلى سوريا، قلب العروبة النابض، إلى الرئيس بشار الأسد,,
لا يُردّ الجنون، إلا بجنون مماثل وأكثر، بلا تكتيك، المطلوب الرّد في كل زمان ومكان، ونحن لسنا عاجزين.